عرض كتاب: الاقتصاد السياسي في فلسطين.. منظورات نقدية مناهضة للاستعمار
تاريخ النشر: 19/04/2022 - عدد القراءات: 2292
عرض كتاب: الاقتصاد السياسي في فلسطين.. منظورات نقدية مناهضة للاستعمار
عرض كتاب: الاقتصاد السياسي في فلسطين.. منظورات نقدية مناهضة للاستعمار


بقلم: أ. اخلاص طمليه، باحثة في القضايا الاقتصادية

عرض كتاب: الاقتصاد السياسي في فلسطين.. منظورات نقدية مناهضة للاستعمار

أ. اخلاص طمليه، باحثة في القضايا الاقتصادية

Political Economy of Palestine: Critical, Interdisciplinary, And Decolonial Perspectives. Editors. Alaa Tartir. Tariq Dana. Timothy Seidel. 2021.pp.335

" الاقتصاد السياسي في فلسطين: منظورات نقدية مناهضة للاستعمار، ومتعددة التخصصات" تحرير: علاء ترتير، طارق دعنا، تيموثي سيدل. صدر في 2021. عدد الصفحات 335[1].

تصميم الغلاف: استخدم زخارف تاريخية تضفي طابع البحث عن الأصالة، والحفاظ على وجود الشعوب الأصيلة على أرضها، كما يؤكد على رواية الفلسطينيين لتاريخهم، وليس الرواية عن الفلسطينيين كجزء من التاريخ.

المستخلص:

تعرض هذه المراجعة كتاب "الاقتصاد السياسي في فلسطين" الصادر عن دار بالجريف ماكميلان في أيار/ مايو 2021، يمثل الكتاب جهدا جماعيا أكاديميا في تأسيس مقاربة جديدة لدراسة الاقتصاد السياسي الفلسطيني حيث يحلل الوضع الراهن للاقتصاد الفلسطيني في ضوء علاقات القوة والاستعمار والصراع الاجتماعي، ينطلق الكتاب من مبدأ ارتباط السياسة ارتباطا وثيقا بالاقتصاد، ويشدد أن المقاربات الاقتصادية التي لا تراعي البعد السياسي لا تكفي لفهم البنى الاستعمارية والاستيطانية، بل تساهم في مفاقمة الخطر واستمرار الاستعمار.

مراجعة فصول الكتاب:

يعاني العديد من خريجي قسم الاقتصاد، اذا اكتفوا بمقرراتهم الدراسية، من قلة قدرتهم على تفسير التطورات الاقتصادية المستجدة. حيث يُلاحظ أن معظم هذه المقررات تعتمد على القوانين الاقتصادية البحتة وربط الدراسات الاقتصادية بالإحصاء وترمي للوصول لتوازن السوق، دون إعتبار لعلاقات القوى، والصراعات الطبقية، وارتباط الاقتصاد بالسياسة والتاريخ وعلم الاجتماع، لذا في منظوري تكمن فرادة هذا الكتاب في تقديمه صورة تكاملية متعددة التخصصات للاقتصاد السياسي في فلسطين.

هذا الكتاب يسهل تجاوز هذه المعضلة حيث يوفر أرضية مبدأية للباحث لربط المتغيرات الاقتصادية بشبكة الأحداث المتداخلة، حيث يستهل الكتاب المكون من ثلاثة أجزاء و14 فصلا، بالفصل الأول الذي أعده محررو الكتاب، علاء الترتير[2]، وطارق دعنا[3]، وتيموثي سيدل[4] والمعنون ب " الاقتصاد السياسي في فلسطين خلال النضال ضد الاستعمار الاحلالي، والرأسمالية العنصرية، والنيوليبرالية" والذي يقدم هذا الفصل لمحة عامة عن الكتاب، و يستعرض نظرة المؤلفين للاقتصاد السياسي الفلسطيني، وتحليله للتكامل والتجزئة، واكتشاف للعديد من جوانب الاقتصاد السياسي في فلسطين في ظل غياب السيادة.

يؤكد هذا الفصل أن المنظورات النقدية متعددة التخصصات توفر إطارا دقيقا لفهم ديناميات الاقتصاد السياسي لفلسطين المحتلة، وبالفعل بعد قراءة الكتاب سيكون لديك مفهوما جديدا للاقتصاد السياسي من زوايا مختلفة، ولا يمكن تشكل هذه الصورة الكاملة من تخصص معرفي واحد، حيث شارك في كتابة الكتاب 13 باحثا ذوي تخصصات مختلفة في الاقتصاد، والاقتصاد السياسي، وعلم الأعراق البشرية، وعلم الاجتماع، وعلم الانسان، إلا أن المحررون لم يحددوا ماهية التخصصات والتي استلزمت منا البحث عن خلفيات المؤلفين الأكاديمية لتحديدها، كما بؤكد التزام المؤلفين بالتضامن مع النضالات الشعبية في فلسطين المحتلة.

يستخدم هذا الفصل نهجا نقديا لدراسة ربع القرن الماضي، ومن اتفاقية أوسلو حتى صفقة القرن للرئيس الأمريكي ترامب، ينتقد الكتاب جميع مفاهيم السيطرة من الرأسمالية والنيوليبرالية، وعملية السلام، واصلاح الأمن، حيث لا تقدم هذه المفاهيم الحرية إلا للإنسان الأبيض، ومع الأمم الأخرى تسلك مسلك الغطرسة والتسلط، وبالتالي يمكننا الكتاب من الحصول على تحليل أكثر عمقا للاستعمار، والإستبدال، والإزالة، وكيف تأثرت فلسطين بعمليات الاستغلال والسلب من إسرائيل والشركات العالمية ومن النخب الفلسطينية.

كما يشرح الفصل الأول بشكل مقتضب حول عملية أوسلو وما تبعها من أوهام بناء دولة بدون سيادة، وبناء المؤسسات والتأثر بإملاءات البنك الدولي والمانحين، وكيف أثر هذا على الأبحاث والكتابات الفلسطينية وتحولها من دراسة أثار الاستعمار الاستيطاني، إلى تحليل آليات بناء الدولة الفلسطينية، وإصلاح مؤسسات الأمن ضمن خطط مختلفة، ويأمل معدوا الفصل أن يساهم جهدهم الأكاديمي في انتاج المعرفة، وتحويل هذه المعرفة إلى قوة للتغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

الفصل الثاني بعنوان " الهيمنة والتهدئة: تحديد سياق الاقتصاد السياسي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967" من إعداد طارق دعنا ، يقدم دعنا في هذا الفصل دراسة معمقة لتأثير استخدام الإستعمار الإحلالي في فلسطين لآليتان مزدوجتان في للسيطرة على الاقتصاد الفلسطيني، حيث استخدم الاحتلال أساليب الإخضاع القسرية والهادئة في نفس الوقت منذ عام 1967، للسيطرة على أوسع مساحة من الأرض بأقل عدد من السكان الأصليين.

يوضح دعنا كيف استخدم الاحتلال أساليب الهيمنة العنيفة والقسرية، والتطهير العرقي منذ 1948، إلا أنه ومنذ عام 1967 بدأ الاستعمار باستخدام أساليب سيطرة هادئة ومبتكرة للسيطرة على أرض فلسطين، حيث هدفت هذه الأساليب للتعامل مع الوجود الفلسطيني كتهديد ديموغرافي، وبالتالي حرصت على تضييق حياة الفلسطينيين أينما حلوا بما يسهل لجوئهم للهجرة الداخلية أو الخارجية، ويوضح دعنا في هذا الفصل أثر استخدام أساليب السيطرة الهادئة والعنيفة على المؤسسات الفلسطينية، والتنمية الاقتصادية، والتحولات الاجتماعية والطبقية داخل المجتمع الفلسطيني.

تحدث دعنا عن وجود متغيرات وديناميكيات تجعل المستعمر يغلب استخدام آلية على أخرى لكن لم يقدم تفصيلا حول ماهية هذه المتغيرات، ونلاحظ أن الكاتب اعتمد مراجع موثوقة في مجال الاقتصاد السياسي، إلا أن العديد من المراجع من كتابة مؤلفي أوراق أخرى في الكتاب، لذا فإنه يُخشى أن يعيد الفصل تدوير أفكار الكاتب وأفكار شبيهه بحيث لا يدعم انشاء معرفة جديدة.

يكشف تحقيق دعنا أن استخدام الأسلوبين بشكل متوازي عمل على تطبيع جزئي للنظام الاستعماري في الأراضي الفلسطينية، حيث أن الهيمنة الاقتصادية مشابهه لممارسات الاستعمار الكلاسيكية، والتي تدمر الاقتصاد المحلي من خلال نزع الملكية، ومصادرة الأراضي، واستغلال الموارد الطبيعية، وبالتالي هي في مجملها أساليب إقصائية للسكان الأصليين من خلال تدمير مواردهم ومسكنهم وسبل عيشهم، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى احتجاج السكان وثورتهم لاستعادة حقوقهم، وملكياتهم.

إلا أنه وبسبب استخدام الاستعمار مبدأ التهدئة الاقتصادية، تصبح ثورة أصحاب الحق ضعيفة الأثر، وبالتالي يستفيد المستعمر من التهدئة في اخماد ثورات استرداد الحق على المستعمر الناتجة عن الممارسات القاسية للهيمنة الاقتصادية، وبالتالي تخفف ممارسات التهدئة من ردود الأفعال الثورية على المحتل وتقوض أساليب الدفاع السلمية والمسلحة كما يوضح الكاتب.

يطبق مبدأ التهدئة حسب دعنا من خلال توظيف مجموعة من الآليات والحوافز مثل توفير العمالة من السكان الأصليين لصالح الاقتصاد الاستعماري، ودعم بعض المشاريع المحدودة التأثير على فئة معينة، وتعزيز طبقة النخبة، أي تخصيص الموارد المالية فقط لجماعات مختارة من الشعوب المحلية، لتكوين تمايز طبقي تهيمن عليه فئة النخبة والتي يرتبط بقاء سلطتها وامتيازاتها ببقاء النظام الاستعماري، ومهما تعددت واختلفت هذه الآليات إلا أنه يجب أن تنتج بشكل مباشر أو غير مباشر فوائد اقتصادية للمستعمر.

بدأت اسرائيل باستخدام مبدأ التهدئة الاقتصادية بسبب عدم قدرة اسرائيل على تنفيذ المطلب الصهيوني الأول بتنفيذ عملية اخلاء لجميع الفلسطينيين من أرض فلسطين التاريخية في احتلال عام 1967، لجأت إلى إضافة الطابع المؤسسي على النظام الاستعماري، مثل جعل بنك اسرائيل المركزي مرجعية لجميع الترتيبات النقدية للفلسطينيين، وفرض العملة الإسرائيلية. كما حرصت جميع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على إقامة المستوطنات في المناطق الزراعية الغنية بالموارد، وبالتالي انخفض حصة النشاط الزراعي من الناتج المحلي الإجمالي في الأراضي الفلسطينية من 53% عام 1967 إلى 13% بحلول أواخر الثمانينات.

كما يذكر دعنا استراتيجية اسرائيل في السيطرة على حركة الفلسطينيين وتفاعلاتهم مع العالم الخارجي حيث حولت الأراضي الفلسطينية "سوقا أسيرة" للواردات الإسرائيلية، وحصرت الصناعات المسموحة للفلسطينيين على الصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة، وحولت المصانع الفلسطينية إلى مقاولين من الباطن للشركات الإسرائيلية.

وقد كشفت المقاومة الفلسطينية في الانتفاضة الثانية أوجه القصور الهيكلية لهذه الاستراتيجيات، حيث استخدم الفلسطينييون أساليب احتجاج اقتصادية من خلال الإضرابات التجارية، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية ووقف دفع الضرائب ووقف العمل في الأراضي الإسرائيلية وبالتالي وجهت ضربة اقتصادية لاسرائيل.

لكن سرعان ما ازداد تعقيد أساليب التهدئة بعد توقيع اتفاقية أوسلو وملحق بروتوكول باريس الاقتصادي حيث تمكنت إسرائيل من السيطرة على الفلسطينيين اقتصاديا وسياسيا بدون رادع من خلال التهدئة الاقتصادية وتوفير مجموعة من الحوافز لطبقة النخبة.

وبعد 27 عاما من عملية أوسلو يستنتج دعنا أن الإصلاح الداخلي للمؤسسات الفلسطينية في ظل شروط أوسلو لن يردع الهيمنة الاستعمارية الإسرائيلية، ولا يمكن مجابهته بنفس إطار اتفاقية أوسلو، ولا بد من انتهاج مبدأ المقاومة المنظمة ضد الاستعمار وتقرير الفلسطينيين مصيرهم.

يمكن الاستنتاج أن وجود هذا الفصل في الجزء الأول المعنون ب "تأطير الاقتصاد السياسي الفلسطيني في سياقه" هو المكان المناسب، حيث يعيد تسمية مفاهيم قُدمت على شكل سلام اقتصادي، وحلول للتهدئة في الإعلام وهي عبارة عن أساليب سيطرة هادئة.

كما يمكن ملاحظة أن الأفكار في الفصل الثاني تدفقت بشكل منساب يسمح للقارىء فهم الأفكار حتى وإن كان غير مطلع على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من قبل، وفي نفس الوقت تطرق لموضوع أكاديمي تغلغل في أهم مكونات الاقتصاد السياسي الفلسطيني وابتعد عن الإغراق بالمفاهيم والمصطلحات الاقتصادية.

 الفصل الثالث بعنوان " الاقتصاد السياسي للتبعية والتقسيم الطبقي 1967" أعده إبراهيم الشقاقي[5] والذي يجادل أن إطار العمل المناسب لفهم الاقتصاد الفلسطيني يكون من خلال نظرية التبعية مصحوبا بفهم التكوين الطبقي. ويشرح الفصل الفترة التي أعقبت احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة حتى بدء عملية أوسلو (1967- 1993) حيث الإعتماد على أسواق العمل والسلع الإسرائيلية كانت راسخة كاملة في تلك السنوات، كما يعرج على السنوات ما بعد أوسلو حيث شهدت هذه الفترة استمرار التبعيات السابقة وخلق أنواع جديدة من التبعيات، وخلق طبقات اجتماعية واقتصادية جديدة في فلسطين.

يؤطر الشقاقي في بداية الفصل تعريف لمفهوم التبعية الاقتصادية، ويربطه بحركة العمال، والسلع، حيث سدت حركة العمالة الفلسطينية من وإلى ارائيل منذ 11967 حتى 1993 النقص في المعروض من العمالة المهرة وغير المهرة، بعد عدم الكفاية من اليهود من أصول شرقأوسطية (مزراحيم) في سد حاجة المشاريع المتنامية وخصوصا البناء.

يفسر الفصل الثالث أثر حركة العمالة الفلسطينية إلى اسرائيل بأنها أدت لتسوية ضمنية بين رأس المال والعمال، حيث يعترف فيها الفلسطيني بالملكية الخاصة للأرض والموارد مقابل توظيفه، وهي تسوية لها ثلاث جوانب، حيث ضمنت توفر عمالة فائضة ورخيصة تؤدي إلى تقليص حجم الأجور وتضمن ربحا كليا للمؤسسات.

كما قدم الكاتب تفسيرا للجوانب المختلفة لإستغلال العمال الفلسطينيين، سواء من اصحاب المشاريع الإسرائيليين، أو المتعاقدين من الباطن لتشغيل الشباب أو النساء الفلسطينيون ، وبالتالي فإن جميع الإحصائيات التي تشير إلى نمو الوظائف بين الأعوام 1970-1985، في معظمها لصالح العمل في اسرائيلورغم ظهور طبقة بروليتاريا في هذه الأعوام إلا أن الكاتب يفسر كيف أثر هذا فعليا على ازدهار فردي لدخول العمال وانخفاض نسب البطالة ، كما أدى إلى نزوح حاملي الشهادات لدول الخليج.

نلاحظ استخدام الشقاقي للرسوم البيانية بما يتناسب مع متطلبات الورقة، كما يبين كيف ابتعد عن استخدام هذه البيانات في تطبيق القوانين الإقتصادية التي يتم استخدامها في العادة لتفسير ديناميكيات التحولات الاقتصادية، ومن المهم الإشارة أن هذا اتجاه الكاتب في تحليل العناصر الاقتصادية وتعقيدها مهم لجميع دارسي حقل الاقتصاد[6] في فلسطين، حيث يتم حصر المواد المتدارسة في العلوم الاقتصادية الرياضية، والاعتماد على القوانين الاقتصادية الرأسمالية.

ومن الملاحظ أن الفصل الثاني والأول عالجا نفس الأحداث من زوايا مختلفة، مثل سياسة الجسور المفتوحة، وإغلاق فروع البنوك في الضفة بأمر عسكري، وهذا الأمر موجود في الفصول اللاحقة وبالتالي يتوضح للقارئ تعددية التخصصات في التحليل كما يبين حجم الضرر من هذه السياسات من زوايا مختلفة.

منذ 1967-1993 تغير التقسيم الطبقي حيث استهدفت فئة ملاكي الأراضي من البرجوازية، والصناعيين، والتجار وخسرت الكثير من أعمالها، أما البرجوازية الرأسمالية كما سماها الكاتب فقد وصلت للثروة أثناء الاحتلال، ويوضح الكاتب خصائص كل طبقة وآليات الوصول للثروة ويَتضح في هذا الجزء تأثر الكاتب بالفكر الماركسي ، كما يمكن لمس هذا التأثر في جزئية شرح الكاتب لظهور البروليتاريا الفلسطينية، ويُلاحظ تأثر الكاتب بالأفكار الانتقادية للحداثة مثل تفسيره للتبعية الفلسطينية الاسرائيلية بتبعية الأطراف للمركز.

وفي تفسيره لعملية السلام تحت عدسة التبعية الاقتصادية وضح الشقاقي كيف أضفت اسرائيل الطابع الرسمي على التبعية متوجة فيما يعرف ببروتوكول باريس الاقتصادي، ويفصل تأثير بنود البرتوكول على قطاعات الاقتصاد المختلفة وخصوصا الزراعة، وعلى النظام الاقتصادي الكلي، ومن الملاحظ استخدام الكاتب نسبة المقاصة من ايرادات السلطة لعام 2016، والتي يجب أن تكون أكثر حداثة لكتاب أصدر في 2021.

يلاحظ أن تقسيم أجزاء الفصل في تفسير التبعية، قبل تفسير التغير الطبقي، وتقسيم السنوات حسب المراحل التاريخية جعل الطرح سلسا يصل القارئ مع الكاتب إلى النتائج بطريقة منطقية، والمراجع المستخدمة موثوقة وذات صلة، وتظهر شخصية الشقاقي واضحة في الفصل.

في الفصل الرابع يقدم تيموثي سيدل ورقة بعنوان " الصراع القائم على الأرض، والاستعمار الاستيطاني" والتي تدرس عنصرا هاما من عناصر الاقتصاد السياسي وهي المقاومة القائمة على الأرض، والذي يأخذ شكل الزراعة والعمل الزراعي والسيادة الغذائية والاعتماد على الذات والتبادل التجاري.

 وينظر سيدل إلى النضال من أجل السيادة الغذائية كمفتاح لاقتصاد سياسي مقاوم في ظل القيود المفروضة على حرية التنقل والهجمات المنظمة من قبل المستوطنين الاسرائيليين، ضد المزارعين ومحاصيلهم، والقيود المفروضة في بروتوكل باريس الاقتصادي والتي تكلف الاقتصاد الفلسطيني 2.2 مليار دولار سنوي، وتحويل المزارعين الفلسطينيين إلى عمالة رخيصة داخل الخط الأخضر.

من المهم في هذ الفصل أن الكاتب أعاد تسمية الكثير من المصطلحات الخاصة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث أنها ليست دولة، وإنما استعمار استيطاني، وتم تعريف معنى الاستيطان والإزالة.

من أشكال المقاومة المبنية على الأرض هو إنشاء مكتبات للبذور البلدية في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي تهدف إلى نشر البذور البلدية والمرتبطة بالتراث الفلسطيني على المزارعين حتى لا يتم الاعتماد على البذور المهجنة.

من وجهة نظر الكاتب يعد النضال المبني على الأرض مهما ليس فقط لخلق بدائل عن المساعدات الغذائية أو تعزيز النضال ضد الاستعمار، وإنما يرتبط بنضال أوسع ضد الرأسمالية، حيث تؤمن الزراعة المستدامة العدالة الاجتماعية في مواجهة السياسات الليبرالية التي تحارب صغار المزارعين بمنافسها الغير عادلة، وتجبرهم على بيع أراضيهم .

في الفصل الخامس يناقش وليد حباس[7] قضية " التكامل الإقتصادي بين الضفة الغربية واسرائيل: التفاعل الفلسطيني مع الحدود والتصاريح الإسرائيلية" يجادل هذا الفصل أن دراسة العلاقة التكاملية بين الاقتصاد الفلسطيني والاسرائيلي تؤخذ بالعادة من منظور التبعية الفلسطينية للهيمنة الاسرائيلية، وهو منظور قاصر لا يأخذ بعين الاعتبار العديد من الأنشطة التكاملية الاقتصادية مثل التعاقد من الباطن وتهريب الفلسطينيين للبضائع الإسرائيلية وبضائع المستوطنات والوساطة وغسيل بضائع المستوطنات، والاسثمارات المباشرة للرأسماليين الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات اللاشرعية، وبالتالي المتعاملين الفلسطينيين ليسوا بالضرورة عاجزين ومستغَلين وإنما يمكن أن يكونوا باحثين عن الربح، وبالتالي يسلط الفصل الضوء على استراتيجيات التكيف التي ابتكرها الفلسطينييون لتحويل الهيكل الإقتصادي المعقد إلى فرص لتحسين حياتهم ومستوى معيشتهم.

لدراسة الهيكل الاقتصادي للضفة الغربية قام حباس بمعالجة الاقتصاد السياسي كاقتصاد حدودي، ويركز على دراسةالاقتصاد السياسي بعيدا عن الإطار المؤسسي وإنما دراسة الطريقة التي استجاب بها الفاعلون المحليون بشكل خلاق للحدود التي تم انشاؤها، ويحاجج أن أداة الاقتصاد الحدودي يمكن أن تغير الطريقة التي تؤثر بها المنطقة الحدودية على العلاقات التجارية، حيث تنظر لمنطقة الاقتصاد الحدودي كممرات تعزز أنماط تفاعل تجارية جديدة وغير متوقعة.

يوضح حباس الإضافة العلمية التي تقدمها الورقة للأبحاث السابقة والشبيهه، حيث أن الأخيرة التزمت بدراسة التهريب حسب الأرقام الرسمية المعلنة والاهتمام به لتوضيح آثارها على التسرب المالي من الخزينة العامة إلا أن هذا الفصل يحاول شرح الاقتصاد السياسي للمناطق الحدودية، واستخدم الكاتب الجداول الموضحة بطريقة تعزز الفهم، والمقارنة، كما يمكن لمس تعريج الكاتب على أهم الدراسات التي تدرس الاقتصاد الحدودي الفلسطيني والدراسات التي تتناول أحد عناصره، وأضاف مساهمات فكرية عليها.

يزعم الكاتب أن أنه كلما زادت تكلفة التجارة العابرة للحدود بالضرائب والالتزامات الجمركية (بروتوكول باريس)تزداد أنشطة التهريب كمهنة مربحة في فلسطين، وهو إداعاء منطقي للوهلة الأولى لكن يخلو من البراهين والحجج، حيث هل هناك نسبة ضريبية لا نجد عندها تهرب ضريبي؟وهل إذا انخفضت الضريبة انخفض الاقتصاد الحدودي الغير رسمي؟وهل إذا ارتفعت الضريبة سيعمد التجار الملتزمون -أخلاقيا وقانونيا- بدفعها، إلى اللجوء لتهريب بضائعهم؟  

يختم هذا الفصل بوصف طبقة اجتماعية ظهرت في المجتمع الفلسطيني وتتغذى كالطفيليات على النظام الاستعماري، مستغلين الثغرات والتعارضات في هياكل الاحتلال لتنمية مصالحهم الشخصية وهم أكثر المشجعين على استمرار هذا النوع من التكامل الاقتصادي الفسطيني الاسرائيلي وبالتالي يعزز بعض الوسطاء الفلسطينيين من تبعية الاقتصاد الفلسطيني، كما أن بعض هؤلاء الوسطاء يتمتعون بطابع مؤسسي، وبالتالي فإن أي حديث عن انفكاك اقتصادي عن الاحتلال لاينبغي أن يستبعد علاقات القوة التي لا تعد ولاتحصى والتي تصنف أنها غير رسمية، إلا أنها أكبر سبب لتعميق التبعية الاقتصادية.

في الفصل السادس الذي عنونه أحمد تنيرة[8] ب " الاقتصاد السياسي لقطاع غزة تحت حكم حماس" حيث يناقش  كيف شكلت الهياكل حماس للحكم والسيطرة علة غزة الحقائق الاقتصادية والاجتماعية، والتداعيات السياسية والاقتصادية لانتصار حماس الانتخابي، كما يبحث في اقتصاد الأنفاق وتأثيره على إعادة هيكلة اقتصاد قطاع غزة، كما يسلط الضوء على الاختلالات الهيكلية التي اجتاحت رأس المال المادي والبشري لقطاع غزة نتيجة الحصار والانقسام الداخلي الفلسطيني، ومن الملاحظ كتابة الأطروحة بشكل محدد ودقيق، بعد مقدمة من التساؤلات المهمة.

يبدأ الفصل بالجدل الذي أعقب  فوز حماس في الانتخابات البرلمانية عام 2006 ، توقع المحللون أن تكون هذه النتيجة فرصة رئيسية للحركة لتنفيذ أجندات سياسية واقتصادية من شأنها زيادة شعبية الحركة داخليا وخارجيا. ومع ذلك، أدت التطورات السياسية التي حدثت بعد ذلك إلى اختلالات هيكلية نتيجة للديناميات السياسية والاقتصادية الجديدة.

ثم يناقش الفصل أسباب ظهور اقتصاد الأنفاق الذي كان يفترض أن يكون قصير الأجل إلا أنه امتد لواقع طويل الأجل أعاد هيكلة النخبة الاقتصادية في غزة، وتأثيرها على القطاع الخاص خصوصا، فيطرح مثال ازدياد مقدار الرسوم المالية منذ 2012 على القطاع الخاص في قطاع غزة، أيضا وقوع القطاع الخاص في غزة في مأزق التعامل مع نظام الازدواج الضريبي والجمركي، أحداها تجمعها اسرائيل نيابة عن السلطة والأخرى تجمعها الحكومة في غزة (حماس) عند وصول البضائع إلى المعبر.

كما عانى القطاع من عدم الاتساق في السياسات واللوائح والتي كان لها تأثير مباشر على عمل القطاع الخاص، مثل إلغاء تراخيص العديد من الوكالت التجارية بحجة حماية المنتجات الوطنية ومكافحة الاحتكار، كما نفذت بعض السياسات التي أدت إلى مزاحمة القطاع الخاص مثل تنفيذ حكومة القطاع مشاريع استثمارية زراعية كبيرة لا يستطيع القطاع الخاص منافستها، ومشاريع تنمية الثروة الحيوانية، بالإضافة إلى تخفيض النفقات من وزارة المالية في رام الله الموجه إلى قطاع غزة، مما أدى إلى أزمة سيولة حادة للمواطنين في قطاع غزة وللقطاع الخاص، أدت إلى انخفاض الطلب على الكثير من الأنشطة التجارية.

لذا يخلص الفصل بأن الاقتصاد السياسي تحت حكم حماس شهد تغيرات مهمة منها ظهور نخبة اقتصادية جديدة سيطرت على عمل القطاع الخاص، وساعد اقتصاد الأنفاق مجموعة من التجار ورجال الأعمال غير التقليديين المعتمدين على علاقاتهم السياسية (انتمائهم لحماس) من الاستفادة من الفوضى وبناء رأس مال في وقت قياسي والاستحواذ على قطاعات اقتصادية مهمة.   

في الفصل السابع تعرج هبة الله طه[9] على موضوع مختلف عن سابقه ولكنه في عمق الاقتصاد السياسي الفلسطيني، حيث تتحدث عن " الفلسطينييون في اسرائيل: الخلافات النيوليبرالية والتكوين الطبقي" الذي يعالج الاقتصاد السياسي لفلسطينيي 1948، والتركيز على الطرق التي أعادت بها النيوليبرالية هيكلة رأس المال والعمل الفلسطيني.

عملت السلطات الاسرائيلية منذ 1948 على افقار الفلسطينيين تحت ذرائع متعدددة، حيث تم فرض قيود على العمل في الأماكن التي يسكنها الفلسطينييون -خصوصا في مجال الزراعة- عن طريق الأحكام العرفية التي وصفها المسؤولون الاسرائيليون بأنها تنظيم، إلا أنها لضمان السيطرة على الأرض.

يناقش هذا الفصل كيف تفاعلت الجماعات الفلسطينية المستعمَرة مع مبدأ الرأسمالية والسوق الحر التي عملت اسرائيل على تغييب الفلسطينيين عنها، وكيف تكونت طبقات اجتماعية جديدة في فلسطينيي الداخل تبعا لهذا التفاعل، كما يبين كيف عملت سياسات العمل الإسرائيلية على انشاء طبقة بروليتاريا من الفلسطينيين، والتي تعتمد بشكل أساسي في عملها وفي سكنها وفي البنية التحتية على الدولة، بحيث تمنع نشوء أي شكل من حركات تحرر داخلية، ولإنشاء طبقة البروليتاريا أهمية كبيرة في تأسيس الاستعمار والمصالح الرأسمالية، حيث إن استعمار الأرض والعمل معا أمر بالغ الأهمية في احكام السيطرة. وسعت المؤسسات الاسرائيلية مثل الهستدروت (اتحاد العمال الصهيوني) والأحزاب الإسرائيلية إلى استخدام شبكات لتقديم حوافز اقتصاديةللسكان المحليين الذين دعموا الدولة، واضعاف النشاط السياسي الشيوعي بين الفلسطينيين، وبالتالي تم انشاء طبقة معينة من الفلسطينيين متعاطفة مع الأهداف الصهيونية.

في الفصل الثامن الذي أعده شير هيفير[10] تحت عنوان " نحو فهم لسياسة الفصل العنصري وعدم المساواة في اسرائيل/ فلسطين"  والذي يقترح البحث في إطار بعيد عن الدول والحدود إلى إطار من الناس: أفراد وجماعات. بدلاً من مقارنة دخل الفرد بالاعتماد على الحسابات القومية، وبالتالي توضيح مقدار عدم المساواة نتيجة التمييز، والفصل العنصري. حيث حدد الكاتب ثلاث مجموعات من مواطني اسرائيل وثلاث مجموعات من مواطني المناطق الفلسطينية. موضحا بالنتيجة مقدار التشرذم الاجتماعي بين الطبقات المهيمنة والطبقات التابعة.

وبالتالي فإن 75 كيلو مترا فقط بين مخيم جباليا ومرتفعات تل أبيب لا توضح حجم التفاوت المذهل بين المنطقتين في الدخل ولا يمكن قياسة فقط بالبيانات الصادرة عن المنظمات الدولية التي تستخدم مقياس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ويرى الكاتب أن أن الحسابات للأجور اليومية تبين أن هناك اتجاه مستمر لزيادة عدم المساواة بمرور الوقت حسب هوية الفرد، ومكان ولادته، وما هو عرقه، وجنسيته، ودينه أصبحت أكثر أهمية في تحديد المبلغ الذي يمكن أن يكسبه الشخص، وأصبح مهاراته وتعليمه وجهده وتفانيه أقل أهمية.

في الجزء الثالث من الكتاب الذي يبحث " الاقتصاد السياسي في غياب السيادة" بدأ بالفصل التاسع، الذي كتبته كاثرين شاريت[11] بعنوان " غزة وفلسطين ومستقبل الاقتصاديات السياسية للشعوب الأصيلة" ينطلق هذا الفصل من افتراض انعدام احتمالية أي مستقبل أوتنمية اقتصادية في قطاع غزة كأساس للدراسة وليس نتيجة، كما يكتشف من خلال تحقيقات تجريبية  كيف أن ازدياد عمليات العنف الدائم والغير مبرر ضد اللاجئين وسكان قطاع غزة، والذي وثق في القصف الوحشي والقناصة ضد المتظاهرين العزل، أنتج اقتصاد تجارة الأسلحة، واحتمالية التخلص من المقاومة بأي وقت، ومسح السكان الأصليين. كما يبين كيف تقف حركات المقاومة في غزة ضد أهداف السلطة الفلسطينية، وكيف تستغل اسرائيل هذا في تكتيكات فرق تسُد.

يشبه الكاتب الكيفية الكيفية التي يسيطر بخا المانجون على موارد غزة باستخدام مؤسسات ذات طابع حديث، بالاستعمار الأوروبي في حقبة ما بعد الإمبراطورية، حيث تحاول تصوير حركات المقاومة في غزة أنها المشكلة ، وأن المانحون يحاولون "انقاذ" غزة من خلال أساليب التهدئة الاقتصادية مثل مشروع تحلية المياه.

الفصل العاشر يتحدث عن " الاقتصاد السياسي للمساعدات الخارجية في الأراضي المحتلة" كتبه جيري وايلدمان وعلاء الترتير، اشترك الباحثان سابقا في إصدار 4 مؤلفت على الأقل تعالج المساعدات الخارجية من زوايا مختلفة، كما أصدر كل منهم بشكل منفرد العديد من المؤلفات التي عالجت موضوع المساعدات الخارجية لفلسطين،  حيث يدرس المساعدات الخارجية التي منحت للسلطة الفلسطينية منذ 1993 الذي بلغ حسب احصاءات 2020، 40 مليار دولار هادفا إلى بناء المؤسسات والتي تعد أعلى قيمة للمساعدات غير عسكرية في العالم، ويجدر الذكر أن 30 مليار منها حوالي 75% تم جمعها بين عامي 2007 و2019.

 يستكشف هذا الفصل العلاقة بين تلقي فلسطين للمساعدات الخارجية وبين تراجع التنمية، حيث يستنتج بأن نموذج إطار عمل أوسلو للتنمية زود السلطة الفلسطينية بايردات عامة بالمقابل زودها بقدر ضئيل من النفوذ للسيطرة على السياسة المالية، وركزت السياسة المالية الاسرائيلية واطار اتفاقية أوسلو على إمداد السلطة بالدخل والايردات مع الحرص على منع دعم أي تنمية اقتصادية حقيقية للفلسطينيين.

في هذا الفصل تم تحديد أربع مناهج رئيسية استخدمها صانعو السياسات والباحثون في تحليل المساعدات الخارجية في الأرض الفلسطينية المحتلة، أولها النهج الذرائعي ( البراغماتي) الذي يجادل أن إطار عمل أوسلو سليم، ويجب تاحفاظ عليهكما أنها تلوم العناصر الخارجية عند فشل المساعدات في تحقيق التنمية وترى أن المشكلة في التطبيق، هذا النهج المدعوم من البنك الدولي هو نيوليبرالي بطبيعته، ويميل إلى إزالة الاحتلال الاسرائيلي العسكري من سياقه، كما يلقي الكثير من لوم غير متناسب على السلطة الفلسطينية لفشل المساعدات في تحقيق التنمية.

روج  النموذج البراغماتي لنفسه عبر قيم معيارية مختلفة، مثل الحكم الرشيد والأسواق المفتوحة والتكامل الاقتصادي مع اسرائيل والتكامل الاقليمي والحرية المالية ودعم الديموقراطية، وربط هذا النهج بين الأمن والتنمية حيث اعتبر التخلف الاقتصادي خطرا على الأمن العالمي ، كما يتماشى مع نظية الحداثة حسب معدي الفصل.

يؤكد معدوا الفصل أن هذه المقاربة فشلت في تفسير اللاتنمية في الأراضي الفلسطينية في ظل  تدفق المساعدات الخارجية، والذي يعود بحسب الكاتب إلى ابتعاد هذه المقاربة عن المتغيرات السياسية، حيث لا تأخذ بعين الاعتبار شروط العملية السياسية والاستعمار الاستيطاني كمؤثرات على التنمية الاقتصادية الفلسطينية، وتجاهلت المسبب الأساسي للمأساه الاقتصادية اللفسطينية وهو الاحتلال، حتى أن لفظ "احتلال" أو استيطان" غير موجود في أدبياتهم.

المقاربة الثانية هي البراغماتي الانتقادي والذي يؤكد أن الاحتلال الاسرائيلي هو العائق الأساسي أمام السلام والتنمية، وأن التأثيرات السياسية تؤثر على جدوى المساعدات، وأن السياسة الجيدة للمساعدات يمكن أن تؤدي إلى تغيير اجتماعي واقتصادي ايجابي، لكنه يختلف عن الأول أن حدوث التغيير الايجابي لا يكون إلا بمواجهة الاحتلال والحد من الاستيطان، هذا النهج لا ينتقد القيم المعيارية النيوليبرالية ولا تضع السياسات الاسرائيلية في الاطار الاستعماري.

الأشخاص الذين تبنوا هذا النهج لديهم خبرة ملحوظة مع النهج الذرائعي، وعندما شهدوا على فشله بعد الانتفاضة الثانية شككوا بمنهجية التقليل من قيمة الاحتلال في التأثير على جدوى المساعدات. لكن اعتمد الفصل في هذا النهج على أدبيات مؤلف واحد، وكان يفضل أن يعزز الشرح عنه من مصادرمختلفة.

المقاربة النقدية ترى أن المساعدات الخارجية هي تحتوي خطاب عقلاني يخفي سلطة بيروقراطية أو خطاب هيمنة وأن المساعدات نفسها جزء من المشكلة، كما تؤمن هذه المقاربة أن عملية أوسلو كما نفذت هي جزء من الاستعمار الاسرائيلي، وتعزز الهيمنة الاسرائيلية حيث أنها تعزز السياسة القمعية وخاصة الاستيطان وتضعف المقاومة، ويؤمن بأن التكامل الاقتصادي مع اسرائيل الذي دعا له النهج البراغماتي الأول يفيد المحتل على حساب الاقتصاد الفلسطيني.

 أما النهج الأخير والذي يمثل الاستعمار الحديث اعتبر أن المساعدة الخارجية كانت ناجحة وأن مساعدة الفلسطينيين لم تفشل على الاطلاقويعتبر المساعدة حافز اقتصادي وأداة للتفاوض مع الفلسطينيين حول حقوقهم السياسية ووقف المقاومة ، وبالتالي فإن المساعدات تكافح الارهاب ضد اسرائيل وتشجع التعايش السلمي، ولا يرى أي مشكلة من وجود وترسيخ الاحتلال الاستيطاني، ويرى أن المشكلة الأساسية تكمن في كيفية ايجاد طرق للمساعدة في تطويع الفلسطينيين مع سياسة اسرائيل. وبالتالي يؤكد معدوا الفصل أن أن أي تدفق للمساعدات مهما بلغ حجمه لن يكون فعالا أبدا في ظل الأطر السياسية الحالية، كما يؤكد أن مزيد من الأموال يمكن أن تؤدي إلى الضرر عند انفاقها في أوجه لا تتناسب وأولويات المرحلة. إلا أن الفصل في خاتمته قدمت رأيا  انتقاديا للنهج البراغماتي واتضح تأثر معدوا الفصل بالنهج الانتقادي.

الفصل الحادي عشر بعنوان "الاقتصاد السياسي للسلطة الفلسطينية : بنية الرقابة المالية " كتبه أنس اقتيت[12]، والذي يعتمد نهج المالية العامة المتمحور حول الريعية، ويؤكد أن على السلطة الفلسطينينة ان تصمم استراتيجيات لتحصيل ايرادات المحلية مالية لضمان بقائها المالي، كما يحاجج أن الأموال المتاحة بسهولة في شكل مساعدات خارجية وعائدات مقاصة، قد أعفت السلطة من ابرام عقد إجتماعي حقيقي مع شعبها، وخلق تفاوت طبقي ملحوظ بين كبار الموظفين ، أقترح لو كانت المقدمة مخصصة لتقديم الفصل ومبررات الكتابة كانت ستكون الأطروح أكثر وضوحا .

في بداية الفصل يطرح الكاتب مقدمة عن هيكلة الاقتصاد في عهد أوسلو، وهي مقدمة هامة لكل الباحثين في مجال المالية العامة، أظهر أن نموذج أوسلو قد زود السلطة الفلسطينية بالقدرة على تحصيل الايرادات العامة، إلا أنه منحها قدرا ضئيلا من النفوذ أو السيطرة على السياسات المالية العامة.ثم عرج على السياسة المالية الاجتماعية والتي عرض فيها محاجات لتأكيد ربعية الاقتصاد الفلسطيني، إلا أن الكاتب أغفل انقطاع المساعدات الخاجية منذ 2018، واحتماالية عدم عودتها، لذا فإن الانطلاق في التفسير من نظرية الريعية بالرغم من مقبوليتها سابقا لا تنطبق على الاقتصاد حاليا. ثم يوضح اقتيت لسياسة المالية الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة من عام (1967 -1993) حيث فرض سياسات لخدمة أهداف اسرائيل السياسية والعسكرية والاقتصادية وغالبا ما تجاوزت الايرادات المتأتية من الضفة الغربية وقطاع غزة – مناطق السكان الفلسطينيين- النفقات المصروة فيها مما أدى إلى ربح صاف لخزينة اسرائيل، حيث عمدت اسرائيل إلى الانفاق الشحيح على الخدمات العامة مما خلق فراغا كبيرا في احتياجات البنية التحتية والصحة والتعليم والخدمات العامة، هذا الفراغ ملئته جزئيا المنظمات غير الحكومية المحلية أو الدولية.

في أوائل التسعينات كان من الواضح أن السياسات الاقتصادية والمالية الاسرائيلية المنفذة في الأراضي المحتلة جردت الاقتصاد المحلي من قدرته على التطور والتنمية المالية والاقتصادية، حيث أن أغلب ايرادات الاقتصاد الفلسطيني من المساعدات الخارجية أو من دخل الفلسطينيين العاملين في الاقتصاد الاسرائيلي، غالب الايرادات للأراضي الفلسطينية والفلسطينيين كانت تنفق على الاستهلاك وتعظيم الواردات والمشتريات عبر الحدود من الأسواق الاسرائيلية.

بعد انشاء السلطة الفلسطينية، وفي ظل امتثال قرارات السلطة المالية للشروط الاسرائيلية وغياب السيادة عن جزء من منظومة الضرائب وتوصيات الجهات المانحة بتنفيذ الإصلاحات المالية بما لا يتناسب مع مبادى العدالة الاجتماعية، مثل رفع الدعم على السلع الأساسية وفرض ضرائب تنازلية، فإنه من دون شك يعد دراسة نظام الإيرادات العامة للسطة الفلسطينية امتدادا لدراسة الاستعمار النيوليبرالي ، والاقتصاد السياسي في الأراضي الفلسطينية.

يظهر جليا أن الفصل يصلح كلبنة أساسية في فهم المالية العامة للسلطة الفلسطينية، خصوصا جانب الايرادات، كما يربطها بالجانب التاريخي والسياسي ليصل إلى استنتاجات تحاكي الواقع، وتفسره بالشكل الملائم، لغة الورقة رصينة تنم عن خبرة الكاتب في هذا المجال، مصادر الورقة موثوقة وذات صلة، واستخدم الجداول والرسوم البيانية بشكل يترجم أثر الاحصاءات المطروحة في النص على الاقتصاد بشكل أفضل.

الفصل الثاني عشر بعنوان " الاقتصاد السياسي والتدخل في نظام الأمن في الأراضي المحتلة" كتبته تهاني مصطفى [13]والتي ترصد التدخلات الخارجية في البنى الأمنية الفلسطينية ضمن سياق "بناء السلام" وحسب الكاتبة فإنه تم تطبيق الحكم الليبرالي في الحكومة الفلسطينية تحت مظلة برنامج إصلاح قطاع الأمن (SSR)، وتعتبر الكاتبة فلسطين مثالا على التدخل الخارجي الواضح في بناء دولة  في العصر الحديث.

كما تؤكد أن عمليات إصلاح قطاع الأمن في السلطة الفلسطينية برعاية الغرب هدفها تحقيق الاستقرار لاسرائيل، والتوسع الغربي النيوليبرالي، كما يفحص كيف أعادت مفاوضات المرحلة الأولى في عام 1994 ومقترحات تعديل بنيتها التحتية والأمنية في عام 1995، وخارطة السلام في عام 2003 تعريف الأمن الفلسطيني وغاياته، ووكيف أشرفت على تشكيلاته بالتعاون مع شركاء إقليميين ودوليين.

يظهر الفصل كيف أن " المجتمع الدولي" يوافق ضمنا على نموذج "السلام الليبرالي" لحل النزاعات، وأن الليبراليبة السياسية والاقتصادية تقدم مفتاحا لحل مجموعة واسعة من المشكلات كالتخلف والمجاعة ووالصراعات. وفي السياق الفلسطيني عكس كل من أوسلو وما تبعها من اتفاقيات من بروتوكول باريس وخارطة الطريق وخطة الإصلاح الفلسطيني [14] مسارا مشابها لنموذج السلام الليبرالي.

يناقش الفصل أيضا أثر فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية ، وكيف إعتبرته اسرائيل بمثابة تهديد وجودي يجب التخلص منه، والذي يعود بحسب الكاتبة إلى استناد حركة حماس إلى الرؤية الإسلامية، والحقوق الوطنية كمرجعية لقبول أو رفض أي مسار للعمل السياسي، أو الاقتصادي بما يتنافى مع المبادىء الليبرالية. وبالتالي تم تنفيذمحاولات ممنهجة لنزع الشرعية عن الحركة، وعن مثيلاتها من الجماعات الإسلامية أو الوطنية، كما استخدمت أساليب الحرب الاقتصادية، ومنع حركة البضائع والأشخاص والأموال، ونوضح الكاتبة أيضا كيف انتقل أسلوب النظام الليبرالي من التدخل في رسم السياسات إلى إطلاق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب صفقة القرن في عام 2020.

الفصل الثالث عشر حول "قوة الدفع المسبق والاقتصاد السياسي للتخلص من النفايات" تبحث صوفيا روبنز[15] في الاقتصاد السياسي للنفايات حيث تخلصت إسرائيل بعد أوسلو من مسؤوليتها عن الخدمات العامة، وجعلت مهمة التخلص من النفايات التي ينتجها الفلسطينييون على السلطة الفلسطينية في مناطق أ، وفي المناطق خارج سيطرة السلطة القانونية في مناطق ب.

قامت السلطة بحصر التخلص من النفايات الصلبة في مطمرين رئيسيين في جنين والخليل، وأغلقت المئات من المكبات البلدية في جميع أنحاء الضفة والذي أدى إلى زيادة تكلفة التخلص من القمامة على البلديات، وتحويل النفايات إلى عبء مالي، حيث يقع عبء سداد قروض الدولة للبنى التحتية الجديدة للمكبات على عاتق البلديات المثقلة فعلا بالديون.

يركز هذا الفصل الوسائل التي استخدمها البلديات لتوليد ايرادات لخدمة فاتورة التخلص من النفايات المتزايدة، حيث مع اقتراب الانتفاضة الثانية من نهايتها بدأت البلديات في شمال الضفة وجنوبها بربط رسوم إدارة النفايات بعدادات الكهرباء مسبقة الدفع وبالتالي يتم استخراج رسوم النفايات في كل مرة يعبىء فيها السكان بطاقات شحن الكهرباء، حيث تتحكم العدادات مسبقة الدفع بتدفق الطاقة الكهربائية إلى الوحدة السكنية أو التجارية وبالتالي لا تسمح أبدا بتدفق الكهرباء دون دفع مسبق.

يبحث أيضا هذا الفصل كيف أن هذا الربط كان عمليا ومهما بالنسبة للبلديات عنصرا أكثر استغلالا وأقل ارتباطا بالسكان، وكيف تحولت البلديات من مقدم للخدمات العامة ومسهل لحياة مواطنيها إلى سلطة ليبرالية تهتم بجني الايرادات، مع محدودية الخدمات المقدمة للمواطنين.

في نهاية الفصل وبعد العديد من المقابلات والأبحاث الميدانية تختم الكاتبة بأن السكان الفلسطينيين أصبحوا "مبرمجين" على وجود العدادات، وشحنها كل فترة بما يناسب احتياجهم، كما أكدت أن هذا أثر أكثر على الفقراء الذين اضطروا لتقليص احتياجاتهم الاساسية وتخفيض مشترياتهم حتى لا تقطع الكهرباءـ وتبين أن المجتمع انقسم إلى مؤيد حيث يرون أنها نظمت تحصيل فواتير الكهرباءوالنفايات، ويرون أنها تشبه بطاقات الشحن المسبق للهاتف النقال، وقسم معارض لهذا التشبيه لأنها خدمة أساسية ولا يجب أن يشترط الحصول عليها بالدفه المسبق ويجب أن يحصل عليها جميع أفراد المجتمع.

الفصل الأخير بعنوان " خاتمة: فلسطين غير معروفة" حيث تؤكد سارة روي[16] أنه بالرغم من كل الحقائق  المثبتة والأبحاث المنشورة حول اضطهاد الفلسطينيين، إلا أن موقفهم الدولي أصبح أضعف مع مرور الوقت، وقد طرحت التفسيرات السياسية. كما يبحث هذا الفصل لماذا فشل الانتاج الكبير من البيانات والإثباتات في تحسين ظروف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإمكانية الوصول إلى حل عادل للصراع.

 



[1] - نشرت هذه المراجعة من قبل مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، وتم إعادة نشرها بتصرف بسيط.

[2]  باحث مشارك في مركز دراسات الصراع والتنمية وبناء السلام، وزميلا زائرا في قسم علم الإنسان وعلم الاجتماع بالمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف، سويسرا.

[3] وهو استاذ مساعد في دراسات النزاع والانسانية في معهد الدوحة، وشغل سابقا منصب مدير مركز دراسات التنمية في جامعة بيرزيت.

[4] استاذ مساعد؛ مدير برنامج - بناء السلام والتنمية والدراسات العالمية؛ مدير - مركز التواصل بين الأديان.

 

[5] استاذ مساعد في دائرة الاقتصاد بجامعة ترنتلي.

 

[7] باحث رئيسي في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مدار، وطالب دكتوراه في الجامعة العبرية في القدس.

[8] عامل في المجال الانساني لدى العديد من المنظمات الدولية، وباحث في مركز الثينك تانك في المملكة المتحدة.

[9] محاضرة في مركز جامعة ليدن للدراسات.

[10] كاتبة لكتابين حول الاقتصاد الفلسطيني ، والأمن، صحفية ولديها اهتما بحثي في المواضيح المتعلقة بالاقتصاد السياسي في فلسطين.

[11] محاضرة حول السياسات الدولية في جامعة ويستميستر في لندن، لديها العديد من الاهتمامات البحثية والكتابية ذات الصلة.

[12] محاضر في الجامعة الاسترالية الوطنية للأعمال والاقتصاد، وأستاذ غير مقيم في معهد الشرق الأوسط.

[13]  زميلة في مرحلة بعد الدكتواره  لدى مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية في قسم العلاقات الدولية بكلية لندن للاقتصاد.

[14] التي عرفت بالفياضية نسبة إلى رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض.

[15] أستاذة مساعدة في قسم الأنثروبولوجي في كلية بارد، لديها اهتمام بدراسة البنية التحية وعلاقتها بالرأسمالية.

[16]  باحث أول في مركز دراسات الشرق الأوسط ، جامعة هارفرد.

 

 

تم طباعة هذا المقال من موقع يبوس للإستشارات والدراسات الاستراتيجية (yabous.info)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)