تسليح المستوطنين.. هل تمهد للمواجهة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية؟
تاريخ النشر: 27/02/2024 - عدد القراءات: 866
تسليح المستوطنين.. هل تمهد للمواجهة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية؟
تسليح المستوطنين.. هل تمهد للمواجهة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية؟


بقلم: ختام عجارمة، باحثة مختصة بالشأن الإسرائيلي، رام الله

 منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تبعها من عدوان صهيوني إجرامي على قطاع غزة، شهدت دولة الاحتلال سباقا محموما في تسليح المستوطنين، سواء في أراضي 1948 أم في الضفة الغربية، لا سيما بعد أن كشفت عملية طوفان الأقصى عن قصور المنظومة الأمنية والدفاعية لدى جيش الاحتلال. فعلاوة على أنها لم يستطع منع الحدث قبل وقوعه، حيث تأخرت استجابتها للتعامل مع الحدث لساعات طويلة شعر المستوطنون خلالها أنهم تُركوا دون حماية أو تدخل من جيش الاحتلال. وقد تلاقت هذه الأحداث مع رغبة عدد من مسؤولي حكومة الاحتلال، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، في تكثيف نشر السلاح الشخصي بين المستوطنين.

نهج بن غفير منذ أن تولى وزارة الأمن القومي المسؤولة عن جهاز شرطة الاحتلال على الدعوة عقب كل عملية مقاومة إلى تخفيف قيود منح رخص السلاح وتشجيع المستوطنين على حمله بحجة أن "السلاح ينقذ الحياة". ولم يكن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتانياهو، بعيدا عن هذه الدعوات، إذ قال هو الآخر: "نحن نرى مرة تلو المرة أن المواطنيين المسلحين المدربين يتمكنون من إنقاذ الحياة". وأعلن أنه سيعمل على تسريع عملية منح تراخيص حمل الأسلحة الشخصية. وقد ترافقت هذه الدعوات مع مسعى بن غفير إلى إنشاء قوة تحت مسمى "الحرس الوطني" منذ توليه منصبه في الحكومة، كجزء من مخطط التصدي لسيناريو هبة القدس، أو الكرامة، التي ثار خلالها الفلسطينيون في الداخل عام 2021 على سياسات الاحتلال تجاه القدس وحي الشيخ جراح.

أعطى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة دفعة قوية لحكومة الاحتلال لتسريع عملية تسليح المستوطنين وإنشاء العصابات المحلية المسلحة في الداخل المحتل والضفة الغربية. ويثير تسليح المستوطنين مخاوف متصاعدة لدى الفلسطينيين جرّاء عنف المستوطنين المتصاعدة ومخططات الاحتلال الهادفة إلى ضم الضفة الغربية وتهجير أهلها. ما يستدعي البحث حول مدى هذا التسليح وانعكاساته المستقبلية؟

تسارع في تسليح المستوطنين

لم يبدأ تسليح المستوطنين منذ السابع من أكتوبر وما تلاه، وإنما هي عملية متواصلة مستمرة منذ بداية الاستيطان في الضفة، غير أنها أخذت تشهد منحنيات متصاعدة مع تصاعد قوة المستوطنين وتأثيرهم في سياسات حكومة الاحتلال. ومع ذلك، لا توجد معلومات دقيقة حول عدد الأسلحة التي يمتلكها المستوطنون في الضفة الغربية، وبالإشارة إلى بعض التقارير التي تتحدث عن وجود قرابة 150 ألف قطعة سلاح بيد المستوطنين في الضفة، فالمرجح أن هذه التقارير قد خلطت بين المعطيات العامة التي تتحدث عن عدد رخص السلاح الممنوحة للمستوطنين في عموم فلسطين الانتدابية، التي هي بالفعل تدور حول هذا الرقم، وبين عدد الأسلحة التي يمتلكها المستوطنون في الضفة الغربية. وقد كان تقرير لموقع سيحا مكوميت العبري ذي التوجهات اليسارية، أظهر أن سياسة دولة الاحتلال منذ عام 2019 تقوم على التعمية حول كمية السلاح التي يمتلكها المستوطنون في الضفة، ولا توجد أية معلومات حولها، وكل ما هو موجود إنما هو تقديرات لا تعكس الواقع الفعلي.

أخذت عملية تسليح المستوطنين دفعة قوية عام 2015 مع تولي غلعاد أردان منصب وزير الأمن الداخلي الذي ترافق توليه المنصب مع اندلاع "هبة السكاكين"، إذ أنه أدخل عدة تعديلات على سياسة منح تراخيص السلاح لتوسيع دائرة المؤهلين لحملها، من بينها تسهيل إجراءات استصدار التراخيص اللازمة وتشجيع المستوطنين على حمله. وتشير بعض التقارير إلى أن المستوطنات في الضفة هي الأعلى من حيث نسبة حاملي تراخيص السلاح من بين بقية المناطق "الإسرائيلية".

مع قدوم حكومة الاحتلال السابعة والثلاثين مطلع عام 2023 بزعامة بنيامين نتانياهو، وشركائه بن غفير وسموتريتش، تزايد عدد المستوطنين (في عموم فلسطين الانتدابية) المتقدمين للحصول على رخصة سلاح شخصي. ففي عام 2021 أصدرت سلطات الاحتلال قرابة 10 آلاف رخصة سلاح جديدة، وفي عام 2022 أصدرت حوالي 13 ألف رخصة، ولكن خلال عام 2023، في عهد بن غفير، أصدرت قرابة 38 ألف رخصة جديدة، وهذا قبل السابع من أكتوبر. أما بعده فقد تضاعفت طلبات الحصول على رخص سلاح بصورة جنونية، إذ قدم يوميا من 8 إلى 10 آلاف طلب.

عمل بن غفير على إدخال تعديلات على قوانين اقتناء السلاح الشخصي لتوسيع قاعدة من يمكنهم اقتناؤه وتسهيل الإجراءات البيروقراطية للحصول على رخص السلاح وتخفيف شرورط امتلاكه. ليصبح المؤهلون لامتلاك الرخص من فئات: الجنود السابقون من سن 21 فما فوق، ومن أدوا الخدمة المدنية بدل العسكرية، وموظفو الإسعاف والإطفاء والإنقاذ والمتطوعون معهم، والمهاجرون الجدد فور وصولهم. هذا بالإضافة إلى تسهيل إجراءات تجديد الرخص وتحويلها إلى رخص دائمة.

ونتيجة لهذه التعديلات بلغت أعداد المستوطنين الحاصلين على رخص سلاح مستويات غير مسبوقة، فمنذ السابع من أكتوبر وحتى نهاية عام 2023 تقدم أكثر من 250 ألف مستوطن بطلب الحصول على رخصة سلاح، حصل أكثر من 26 ألف مستوطن منهم عليها، بالإضافة إلى 44 ألف مستوطن حصلوا على رخص مشروطة. وقد كان للتسهيلات التي أدخلها بن غفير أثر كبير في هذه الأعداد الضخمة، إذ إن بعض المستوطنين حصلوا على الرخصة من خلال محادثة قصيرة لا تتجاوز مدتها 20 ثانية مع موظفي وزارة الأمن القومي.

من المهم الإشارة إلى أن جل الأرقام السابقة تتحدث عن الأسلحة الشخصية التي يسعى المستوطنون إلى امتلاكها ملكية شخصية، وهي في معظمها أسلحة قصيرة (أو مسدسات) تُعتبر بشكل عام أسلحة دفاعية لا هجومية. كما أن هذه الأرقام تشمل كل المستوطنين سواء في الضفة أو على الحدود الشمالية أو المستوطنات المحاذية للضفة أو فيما يُطلق عليه "المدن المختلطة"، وهي المدن العربية في الداخل المحتل عام48 التي ما زال أهلها فيها. ومن الملاحظ أن قادة الاحتلال يتجنبون الإشارة إلى الضفة صراحة وهم يحضّون على امتلاك السلاح أو خلال توزيعه ويشيرون غالبا إلى "المناطق الأكثر خطورة"، وبطبيعة الحال فمستوطنات الضفة تعد الأكثر خطورة من وجهة النظر الصهيونية نظرا إلى وجودها قرب القرى والبلدات الفلسطينية.

"وحدات التأهب"

وإلى جانب حملة ترخيص السلاح، باشر بن غفير بحملة موزاية لتوزيع السلاح على المستوطنين من ميزانية وزارة الأمن القومي. إذ إن العدوان ترافق مع حملة إنشاء ما يُسمّى "وحدات التأهب"، التي كانت منتشرة من قبلُ في عدد من المستوطنات والمدن، ولكن أعدادها تضاعفت بكثرة بعد العدوان.  إذ أن بن غفير أشرف على إقامة 700 وحدة تأهب جديدة منذ 7 أكتوبر وحتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني في كل أنحاء فلسطين الانتدابية، وهذه الوحدات هي وحدات شبه عسكرية، تتكون من 10 إلى 40 عنصرا من المستوطنين المحليين في كل مستوطنة على حدة، وتخضع لإشراف شرطة الاحتلال في أراضي 48، ولجيش الاحتلال في الضفة ومهمتها تقديم الاستجابة الأولية في حالة التحديات الأمنية لحين قدوم القوات المختصة.

تولى بن غفير مهمة توزيع السلاح على هذه الوحدات، تحت ذريعة التجهز لسيناريو "حارس الأسوار 2" بالإشارة إلى هبة الكرامة/القدس 2021. إذ عمل على تزويد هذه الوحدات بالأسلحة والمعدات القتالية مثل الخوذ والستر الواقية، والمهم أن الأسلحة التي زودت بها هذه الوحدات هي أسلحة هجومية، أو ما يطلق عليه البنادق الطويلة الأتوماتيكية. حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الثاني المنصرم تمكنت وزارة الأمن القومي من شراء 25 ألف قطعة سلاح هجومي، من نوعM 16، من شركات الأسلحة الإسرائيلية، ضمن مخطط لشراء 40 ألف قطعة، من المفترض أن تشترى بقيتها من الشركات الأمريكية.

من بين الأسلحة التي تولى بن غفير وجيش الاحتلال توزيعها على  وحدات التأهب حتى نهاية عام 2023، ذهب قرابة 7 آلاف قطعة منها إلى المستوطنات في الضفة، وحتى إلى البؤر الاستيطانية التي تعدها دولة الاحتلال "غير شرعية" حسب قوانينها. ومن ضمن تلك الأسلحة حوالي 140 رشاشاً من نوع ماغ (رشاش ثقيل يتسع مخزنه لـ200 طلقة)، كما فُتحت مستودعات الذخيرة لتلك المستوطنات لاستخدامها في حالة الطوارئ.

هذا، ويدرس جيش الاحتلال إمكانية توزيع مضادات للدروع على عدد من المستوطنات في الضفة، بحجة أنها معزولة وقريبة من القرى الفلسطينية، خشية تكرار أحداث السابع من أكتوبر في مستوطنات الضفة. إذ أن المقاومين الفلسطينيين اعتمدوا في اقتحامهم لمستوطنات "غلاف غزة" على سيارات الدفع الرباعي ولذلك يرى جيش الاحتلال ضرورة امتلاك المستوطنين لمضادات الدروع حتى يتمكنوا من مواجهة هذه السيارات في حال حدوث هذا السيناريو. وضمن هذه الخطة سيحتفظ المسؤول عن أمن المستوطنة، التابع لجيش الاحتلال، بهذا السلاح في مخزن ويستخدم عند الضرورة القصوى فقط. وإضافة إلى ذلك، يدرس جيش الاحتلال أيضا شراء 200 مركبات مصفّحة لتوزيعها على وحدات التأهب في الضفة الغربية وغلاف غزة ومستوطنات الشمال. وقد كان جيش الاحتلال قد زوّد حرّاس المستوطنات بعدد من السيارات المصفحة في ظل تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية.

لم ينحصر جهد تسليح المستوطنين على جيش الاحتلال أو وزارة الأمن القومي، وإنما شاركت عدة مؤسسات وجهات تابعة للمستوطنين في مسار التسليح هذا. ففي بداية العدوان  بادر يوسي دغان، رئيس ما يسمى "المجلس الإقليمي للشومرون" أي مستوطنات شمال الضفة الغربية، بتوزيع مئات الأسلحة من خلال مجلسه، بتنسيق مع جيش الاحتلال وشرطته على المستوطنين. إذ وزّع المجلس 200 بندقية من نوع M16 من الطراز المطور المعروف بـ M4، في 22 أكتوبر/تشرين الأول. وأعلن أنه بصدد شراء 300 قطعة جديدة، وقد مُوّل شراء هذه الأسلحة بتبرعات من أصدقاء "الشومورن" في أنحاء العالم، حسب وصفهم.

وفي ذات المسعى، بادرت جمعيتا "شيفات تسيون" و"تكوما 23" المختصتان في دعم الاستيطان والمستوطنين إلى إطلاق حملة تبرعات لجمع الأموال بغية تسليح المستوطنين، وقد تمكنت الجميعتان من جمع أكثر من ميلوني شيكل في بداية الحملة.

أن التطور الخطير في هذا المسار هو أن جيش الاحتلال يعمل على بلورة خطة لتحويل جزء كبير من مهمة الدفاع عن المستوطنات في الضفة إلى المستوطنين أنفسهم. بحيث تقام وحدات تأهب في كل مستوطنة ويسلّح المستوطنون ويدّربون تحت إشراف جيش الاحتلال. ويعمل على إعداد هذه الضابط في قيادة المركز المقدم شلومو فاعكين، الذي بالفعل ناقشها مع رؤساء المستوطنين في الضفة. وهذا يعني أن المستوطنين سيصبحون جيشا منظما يتولى زمام الأمور في الضفة الغربية.

 المواقف الدولية من التسليح

أخذت مسألة انتشار السلاح الشخصي وإنشاء العصابات المسلحة تحظى بقبول لدى المجتمع الصهيوني وقيادته السياسية والأمنية تحت ذريعة التهديدات الأمنية. في حين تعارض بعض المؤسسات الحقوقية الإسرائيلية، مثل بيتسيلم والسلام الآن، هذه العملية لخطورتها على المجتمع الفلسطيني، غير أن هذه المؤسسات تقع على هامش المجتمع الصهيوني ولذلك لا تأثير حقيقي لمعارضتها. فيما أن القلق الحقيقي في المجتمع الصهيوني من مسألة انتشار السلاح نابع من تأثير هذه العملية على المجتمع الصهيوني نفسه. إذ أن لدى الجمهور الصهيوني تخوفات من انتشار السلاح الشخصي بشكل كثيف، خشية استخدام هذا السلاح في الجرائم ووحالات العنف العائلي والنزاعات الشخصية وحالات الانتحار، في تجاهل تام لحقيقة أن الخطر الحقيقي من انتشار هذا السلاح يواجه الشعب الفلسطيني سواء في أراضي 48 أو الضفة.

جاءت المعارضة الأقوى لتسليح المستوطنين في الضفة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، إذ امتنعت إدارة بايدن، في أواسط ديسمبر/كانون الأول المنصرم ،عن إتمام صفقة لبيع آلاف الأسلحة من نوع M16 لدولة الاحتلال وقرنت موافقتها على الصفقة بتعهد بعدم توزيع هذه الأسلحة على المستوطنات في الضفة. وقد اضطرت حكومة الاحتلال لتقديم هذا التعهد لإتمام الصفقة، ترافق هذا الاعتراض الأمريكي مع فرض الإدارة الأمريكية عقوبات على عدد من المستوطنين (4 فقط) المتورطين في أحداث عنف ضد الفلسطينيين، وقد تبعتها بريطانيا فرنسا في هذه الخطوة، في حين يدرس الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على المستوطنين.

هذه الخطوات التي تتخذها الدول الغربية ليست تحولا في توجهها ولا بداية تحول حتى تجاه الاستيطان. فالحديث يدور عن بعض المستوطنين، لا يتعدون عدد أصابع اليد الواحدة، وتفرض عليهم عقوبات هزلية، مثل الحرمان من التأشيرة. وهذا الأمر يتجاهل طبعاً حقيقة أن مئات بل آلاف المستوطنين في أحيان كثيرة يشاركون في أعمال عنف ضد الفلسطينيين سواء أكانوا جماعات أم وحدانا على امتداد الضفة. والحوادث التي تدل على ذلك كثيرة، ومنها تصاعد حالات عنف المستوطنين في السنوات الأخيرة لنسب خطيرة كما ونوعا. هذا فضلا عن أن عملية الاستيطان وسرقة الأراضي ذاتها هي عملية عنف مستمر. غير أن الخطاب الغربي له أهداف تتعلق بمصالح تلك الدول ومصلحة دولة الاحتلال نفسها. فمن ناحية، تريد تلك الدول أن تظهر بعض التوازن والاعتدال في خطابها وسلوكها تجاه الفلسطينيين بعد الانحياز الكامل المعنوي والمادي لدولة الاحتلال في حربها ضد الشعب الفلسطيني، وهذا في ظل تصاعد الاحتجاجات الداخلية فيها على هذا الانحياز. ومن ناحية أخرى، ففي هذا الخطاب مصلحة أمنية حساسة لدولة الاحتلال نفسها، إذ تسعى تلك الدول جاهدة إلى عدم توسع الحرب وبقائها محصورة في قطاع غزة، إذ إن تصاعد عنف المستوطنين قد يؤدي إلى ردود فعل فلسطينية قد تأخذ شكل انتفاضة أو هبة شعبية في الضفة، ولهذا الأمر خطورة بالغة في هذه المرحلة بالذات لما قد يعنيه ذلك من انهيار السلطة الفلسطينية. وهو ما لا تريده تلك الدول حتى لا يتشتت المجهود الحربي الاسرائيلي وحتى لا تنهار رواية الاحتلال والغرب بأن الحرب ضد حركة حماس فقط في ظل الثنائية التي يحاولون ترويجها فيما يتعلق بالمقارنة بين قطاع غزة والضفة الغربية.

على أي حال فالخطاب الإعلامي الأمريكي وإن حمل مضامين ضد السلوك الإسرائيلي فيما يتعلق بالمستوطنين إلا أنه في باطنه متطابق تماما معه، فعنف المستوطنين ليس إلا مجرد عرض لمشكلة أعمق بكثير، وهي الاستيطان نفسه وسياسة تهجير الفلسطينيين، التي لم يحدث أي تغيير تجاهها بالرغم من التصريحات المعارضة لها غربا، إذا أن عنف المستوطنين ناتج عن وجود الاستيطان بأشكاله المختلفة، وهذا المشروع الاستيطاني، المخالف للقانون الدولي، يترافق معه مسعى تهجير الفلسطينيين بحرمانهم من أرضهم وتضييق مصادر رزقهم ومنعهم من التوسع العمراني استجابة للتكاثر الديمغرافي، ولا يمكن قراءة الأصوات الناقدة في الغرب تجاه ما تسميه "عنف بعض المستوطنين" إلا حرفا للأنظار عن المشكلة الأساسية المتمثلة بالمشروع الاستيطاني نفسه.

الخاتمة

لن تظهر خطورة تسليح المستوطنين على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية بشكل فوري، أي أنهم لن يبادروا إلى ارتكاب مجازر جماعية باستخدام هذا السلاح. فعملية تسليحهم متواصلة ومستمرة وشهدت تصاعدا في السنوات الأخيرة. غير أن الملاحظ أن امتلاك المستوطنين للسلاح لا يعني استخدامه ضد الفلسطينيين مباشرة، فمعظم حالات عنف المستوطنين لا يستخدم فيها السلاح، إذ إنهم يميلون لعمليات التخريب ومهاجمة الممتلكات ورمي الحجارة على السيارات الفلسطينية وتقطيع الأشجار وغيرها من الاعتداءات التي لا يستخدم فيها السلاح. غير أن كل هذه الاعتداءات تنفذ بحماية السلاح الذي بأيدي المستوطنين الذي يستقوون به على الفلسطينيين العزل، فضلا عن حماية جيش الاحتلال لهم.

يسعى الاحتلال من خلال توزيع السلاح على المستوطنين إلى خلق حالة من الرعب الدائم لدى الفلسطينيين وإشعارهم بأنهم دائما في مرمى الخطر، وهذا لا يمنع المستوطنين من استخدام السلاح وقتل الفلسطينيين في بعض الحالات للتعزيز هذه الحالة. ومن ناحية أخرى، يوظف هذا الاستخدام في تحقيق أهداف تهجير الشعب الفلسطيني التي يطلق عليها قادة الاحتلال "الهجرة الطوعية"، إذ إن مبدأ الهجرة الطوعية في العقل الصهيوني يقوم على خلق الظروف المهيأة لها والضاغطة باتجاهها حتى تبدو أن تحدث من تلقاء نفسها بصمت وبعيدا عن الأنظار، ومن هذه الظروف عنف المستوطنين.

في المحصلة، سيؤدي تزايد السلاح في أيدي المستوطنين إلى تزايد الاعتداءات والعنف من طرفهم تجاه الفلسطينيين، إذ بدأ هذا العنف في السنوات الأخيرة يتخذ منحى متصاعدا، وبلغ ذروته بعد السابع من أكتوبر. كما أنه سيزيد خطورة هذه الاعتداءات وسيسرع عمليات التهجير الصامتة التي تجري على قدم وساق في التجمعات البدوية في الضفة الغربية خلف ستار العدوان على غزة.

* المصدر: مركز رؤية للتنمية السياسية، اسطنبول

تم طباعة هذا المقال من موقع يبوس للإستشارات والدراسات الاستراتيجية (yabous.info)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)