هجرة طوعية" من غزة.. واقعية الطرح وإمكانيات التنفيذ
تاريخ النشر: 11/03/2024 - عدد القراءات: 1430
هجرة طوعية" من غزة.. واقعية الطرح وإمكانيات التنفيذ
هجرة طوعية" من غزة.. واقعية الطرح وإمكانيات التنفيذ


بقلم: أ. كريم قرط، باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله

 نشر البروفيسور الإسرائيلي أور لافي، المختص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مقالا بعنوان ""هجرة طوعية" من غزة؟ لقد جرّبت إسرائيل ذلك بالفعل" على موقع "زمان يسرائيل" العبري بتاريخ 12/1/2024.  يحاول الكاتب في مقاله تفنيد فكرة "الهجرة الطوعية" التي تتعالى في الطرح السياسي الإسرائيلي لمستقبل قطاع غزة وأهله، ويستعرض في سبيل ذلك خطة لذات الغرض كانت حكومة الاحتلال بزعامة ليفي أشكول قد نفذتها عقب حرب 1967 في قطاع غزة وكيف انتهت بفشل ذريع. يحمل المقال في طياته معلومات تاريخية غير مشهورة على نطاق واسع، غير أن ما يرد فيه يستبطن عددا من القضايا التي لم يشر إليها الكاتب ومنها:

·        أن مسعى تهجير أهالي قطاع غزة هو مسعى رافق الاحتلال منذ عام 1967، مع أنه في ذلك الوقت لم تكن فيه مقاومة فلسطينية، ولم تكن حركة المقاومة الإسلامية – حماس، وغيرها من فصائل المقاومة، قد تأسست بعد.

·        مشكلة الاحتلال الأساسية هي في الوجود الفلسطيني بحد ذاته، سواء أكان مقاوما أو مسالما، وهذا منسجم مع طبيعة المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الذي يهدف إلى السيطرة على الأرض بأقل عدد من أهلها.

·        يكشف هذا المقال عن الأساليب التي يتبعها الاحتلال لتهجير الشعب الفلسطيني تحت مسمى "الهجرة الطوعية"، التي هي ممارسة قديمة من عمر الاحتلال نفسه. ومع أن هذا المقال يتحدث بشكل أساسي عن قطاع غزة، فإن هذه الممارسة نفسها طبقت في الضفة الغربية أيضا.

·        الواقع الحالي، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو أراضي 1948، يشير إلى أن الاحتلال لم يتخلَ عن هذه السياسة، ولكنه غيّر وسائله، فبدل الاعتماد على الحوافز المالية والمادية أصبح يعتمد على وسائل أخرى لدفع الفلسطينيين للهجرة من تلقاء أنفسهم. ففي قطاع غزة يسهم الدمار والقضاء على كل مقومات الحياة في إرغام الفلسطينيين على الهجرة نظرا إلى انعدام إمكانية البقاء. وفي الضفة الغربية يساهم الاستيطان والظروف المعيشية الصعبة والحصار والتضييق على الأهالي وتصاعد عنف المستوطنين على إقبال الفلسطينيين على الهجرة أيضا. أما في الداخل المحتل فتصاعد الجريمة في الوسط العربي وانتشار العصابات الإجرامية التي على أقل تقدير تتغاضى عنها حكومة الاحتلال هي أدوات لدفع الفلسطينيين لترك بلادهم. وقد عبّر وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كارهي مؤخرا عن هذه السياسة باقتباسه لقاعدة شرعية من الديانة اليهودية تقول: "أرغمه حتى يقول أنا أريد".

·        مع كل الصخب الدائر حاليا حول فكرة "الهجرة الطوعية" التي نادى بها سموتريتش في خطته المعروفة بـ"خطة الحسم" منذ عام 2017، وهي بالمناسبة تمثل طرحا سياسيا لدى العديد من السياسيين والمختصين الإسرائيليين قبل أن يطرحها سموتريتش بوقت طويل؛ فتنفيذ الخطة ليس مرهونا بالإعلان الرسمي الإسرائيلي عن تنفيذها. فالذي يشير إليه المقال هو أن الاحتلال يسعى للحفاظ على سرية خططه وتنفيذها بصورة تبدو طبيعية دون أن يلفت الانتباه إلى مساعيه وخططه. ولذلك من المهم مراقبة ومتابعة ما يحصل على الأرض وليس ما يعلنه الاحتلال صراحة.

·        يوضح الكاتب أن السبب الرئيسي لفشل خطة "الهجرة الطوعية" التي يتناولها هو رفض الفلسطينيين في قطاع غزة لفكرة الهجرة وترك أراضيهم على الرغم من سيل الإغراءات المالية والمادية التي قُدّمت لهم لإقناعهم بالهجرة.

·        من المهم التوضيح أن هدف الكاتب من مقاله هو إظهار أن فكرة "الهجرة الطوعية" التي ينادي بها عدد من قادة الاحتلال غير قابلة للتنفيذ لحثّ حكومة الاحتلال على إيجاد بدائل عن هذه الخطة حتى لا تضطر إلى إعادة احتلال قطاع غزة والتورط في إدارة الشؤون الحياتية للسكان، وهو عبء يدّعي الكاتب أن حكومة الاحتلال اضطرت للاضطلاع به منذ عام 1967 حتى اتفاقية أوسلو 1993، في الوقت الذي لم تكن حكومة الاحتلال معنية بتحمل هذا العبء الكبير.

ولأهمية المعلومات الواردة في المقال فقد ارتأينا ترجمته للقارئ الفلسطيني والعربي، مع إجراء تعديلات في الصياغة لعدد من المصطلحات والجمل كي لا يبدو المقال وكأنه ترديد للخطاب الصهيوني بحذافيره.

وفيما يلي ترجمة المقال:

تتعالى منذ السابع من أكتوبر أصوات وطروحات لدى عدد من السياسيين والمسؤولين في حكومة الاحتلال تنادي بتنفيذ "هجرة طوعية" لسكان قطاع غزة، وقد أخذت هذه الطروحات تنتشر في الخطاب السياسي والشعبي لدى الاحتلال، لا سيما وأن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو وبعض الوزراء في حكومته مثل بتسلإيل سموتريتش وإيتمار بن غفير قد نادوا بها مرارا وتكرارا. ويفترض المقتنعون بهذه الخطة بأنها ستكون مفيدة لدولة الاحتلال والفلسطينيين في قطاع غزة أيضا، إذ ستشكل الهجرة الطوعية خلاصا لسكان غزة من حالة الفقر والبطالة والاكتظاظ الخانق وانعدام الفرص التي يعيشونها في القطاع، وفي المقابل سيتخلص الاحتلال من الخطر الدائم الذي يشكلّه القطاع على مستوطنات الجنوب ويعمّ الهدوء الدائم هناك.

المشكلة في هذه الفكرة، التي تبدو جذّابة على الورق، أن احتمالات تطبيقها تقترب من الصفر والاستحالة، ولكن لأن هذه الفكرة شعبوية وبرّاقة فإنها تحظى بأهمية في النقاش السياسي مع أنه لا إمكانية لتطبيقها.

 

يعيش في قطاع غزة اليوم 2.2 مليون لاجئ. وقد وعد وزير المالية، والوزير في وزارة الحرب، بتسلإيل سموتريتش أن دولة الاحتلال ستعمل على تهجير الغالبية العظمى من السكان لتقليل عددهم إلى 100-150 ألف نسمة فقط، وهو عدد تستطيع دولة الاحتلال أن "تتعايش معه".

إن التهجير الجماعي لمجموعة بشرية رغم إرداتها هي عملية ستجابه برد فعل دولي حازم، بما يشمل فرض عقوبات اقتصادية وخسارة الدعم الأمريكي. إن عواقب هذا الأمر واضحة لمسوتريتش وأشياعه، ولذلك أيضا لا أحد منهم يتحدث عن تهجير قسري، وإنما عن "هجرة طوعية"، أي أن يخرج الفلسطينيون بإرادتهم إلى مكان آخر فيه مستقبل أفضل بكثير لهم.

بعد حرب 1967 حاولت دولة الاحتلال أن تنفذ خطة تهجير طوعي مشابهة لما يدور الحديث عنه في هذه الأيام. وعلى الرغم من الموارد والجهود التي استثمرتها حكومة الاحتلال لتنفيذ تلك الخطة؛ فإنها منيت بالفشل وتولت حكومة الاحتلال في نهاية المطاف، على خلاف ما كانت تريد، السيطرة الكاملة على كل السكان في قطاع غزة.

في يونيو 1967 حقتت دولة الاحتلال نصرها العسكري الأكبر. في غضون 6 أيام هزم الجيش الاحتلال جيوش سورية ومصر والأردن، لتتوسع مساحة دولة الاحتلال المحدودة التي أقيمت في 1948 أضعافا مضاعفة بعد أن سيطرت على هضبة الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء.

كان قطاع غزة أحد المناطق التي شكلت معضلة مباشرة لدولة الاحتلال، فقد كان القطاع منطقة هشة من ناحية البنية التحتية والخدمات ومكتظة بالسكان الذين غالبيتهم من اللاجئين الذين هُجّروا من أراضي 1948. ومع ذلك، بالمقارنة مع وضعه اليوم، كان وضع القطاع أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، إذ كان عدد سكانه في المجمل 450 ألف نسمة مقارنة بـ 2.2 مليون نسمة اليوم.

بعد احتلال قطاع غزة مباشرة طرحت عدة أفكار في مداولات حكومة الاحتلال حول مستقبل القطاع، و كانت الفكرة الأبرز هي "تشجيع الهجرة" لدى سكان قطاع غزة لدول أخرى، وبعد ذلك ضم القطاع لسيادة الاحتلال بعد أن يكون قد أفرغ من سكانه. اقترح ليفي أشكول، رئيس الوزارء حينها، تجفيف المياه في القطاع لخلق ضائقة إنسانية وتدمير ما تبقى من قطاع الزراعة، المحدودة أصلا، لتهيئة الظروف الخانقة التي ستجبر جزءا من السكان على الهجرة لدول أخرى.

وقد وضع موشيه ديّان، وزير الحرب حينها، هدفا طموحا لتقليص عدد سكان القطاع من 450 ألف إلى 100 ألف، إذ قدّر أن دولة الاحتلال تستطيع أن تتعايش مع هذا العدد. وقررت حكومة  الاحتلال أن تنفيذ الخطة سيجري بتشجيع السكان القطاع على الهجرة وتقديم المساعدة لاستيعابهم في الدول الأخرى التي سيهاجرون إليها. وقد حرصت حكومة الاحتلال على إبقاء هذه الخطة سرية حتى تتجنب ردات الفعل الدولية. وقال ديّان أنه سينكر أي وجود للخطة في حال انكشف أمرها وعقدت لجنة تحقيق حولها.

إن المنادين بفكرة "الهجرة الطوعية" في هذه الأيام هم أعضاء في الكنيست ووزراء شعبويون مختصون في مقاطع التكتكوك، على النقيض من جيل وزراء1967 في حكومة الاحتلال الذين كانوا رجالا عمليين ينتمون للجيل أقام دولة الاحتلال، وأخذوا على عاتقهم تنفيذ المشاريع الضخمة، بداية من إقامة دولة الاحتلال نفسها مرورا باستيعاب موجات الهجرة اليهودية الضخمة إليها واستيطان البلاد وبنائها وتأسيس جيش الاحتلال والنظام التعليمي وغيره.

واتساقا خلفية أصحاب خطة الهجرة الطوعية عام 1967، أخذت الخطة المذكورة أعلاه على محمل الجد. ففي السنة الأولى بعد حرب 1967 أصبحت الخطة هي السياسة المركزية لحكومة الاحتلال تجاه قطاع غزة. وعيّن رئيس الوزراء، ليفي أشكول، "عِداه سرني" مسؤولة عن "مشروع الهجرة". كانت سرني أرملة المظلي الميثولوجي أنتسو سرني الذي حوصر وقُتل في الحرب العالمية الثانية على يد النازيين، وكانت لها علاقات مع دول أوروبا وعملت بعد المحرقة على البحث عن اللاجئين اليهود وإقامة مخيمات لاستيعابهم.

حُدّدت مهمة سرني، حينها، بتشجيع "الهجرة الصامتة" لسكان قطاع غزة من خلال إيجاد دول مستعدة لاستقبال اللاجئين وتقديم محفزات للفلسطينيين المستعدين للهجرة لتلك الدول. وقد كانت الدول المستهدفة، حسب الخطة، باستقبال اللاجئين المهاجرين هي الأردن وممالك الخليج العربي و"كل دولة أخرى مستعدة لاستقبالهم".

كانت الفكرة أن الهجرة ستنفذ بصورة بطبيعة، كما هو مفترض، دون أن تُلاحظ "بصمات أصابع" إسرائيلية في تنفيذها، وذلك لتجنب رد فعل دولي ضد دولة الاحتلال. وقد كان رئيس الوزراء أشكول متورطا بشكل شخصي في الخطة وحصل على تحديث أسبوعي حول تطوراتها وحول عدد الغزيين الذين كانوا مهتمين بالهجرة.

ونظرا إلى أن الفكرة كانت تتمحور حول إيجاد حالة من "الهجرة الصامتة"، فقد أسست وحدة سرية من شخصيات إسرائيلية ذات خلفية أمنية ممن لديهم "معرفة عميقة بالمجتمع والعقلية العربية". وكانت وظيفة أعضاء هذه الوحدة العمل بين سكان قطاع غزة وإقناعهم بالهجرة الطوعية. وفي المقابل أجريت أبحاث معمّقة واستطلاعات رأي في المجتمع الفلسطيني بهدف فحص احتمالات الاستجابة لعروض الهجرة.

اشتملت حوافز تشجيع الهجرة الطوعية، التي قدمت للغزيين تحت بند "سلة الهجرة"، على منحة مالية ومساعدة لوجيستية خلال عملية الهجرة ومساعدة لمرة واحدة خلال الهجرة نفسها (تكاليف السفر). ظلت كل النشاطات المتعلقة بتنفيذ الخطة بعيدة عن الأنظار، لأن دولة الاحتلال خشيت من التبعات الدولية إذا اتضحت أنها تنفذ عملية كهذه.

على الرغم من الموارد التي خصصتها حكومة الاحتلال للخطة، إلا أنها منيت بفشل ذريع. إذ استطاعت سرني أن تجد عددا من الدول الأوروبية المستعدة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، ولكن المشكلة الكبرى كانت في إقناع اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم بجدوى الهجرة.

فقد رفضت الغالبية العظمى من الفلسطينيين العرض المقدم لهم قطعيا. فلم تسحرهم حياة الرفاهية في الدول الأخرى مطلقا، وأيضا لم يتغلب الحافز المالي على تطلعهم بالتمسك بأراضيهم. فبينما كان الهدف الذي حددته حكومة الاحتلال هو هجرة 350 ألف لاجئ، أسفرت النتيجة العملية في نهاية المطاف عن هجرة 20 ألف لاجئ فقط.

كانت النجاحات البسيطة، التي تمكنت حكومة من الاحتلال من تحقيقها، تتمثل بالأساس في سفر الغزيين من حاملي جوازات السفر الأردنية الذين استغلوا الفرصة التي أتاحها تطبيق خطة الهجرة الطوعية وانتقلوا للأردن. وأيضا في سفر نساء غزيات ممن يعمل أزواجهن في دول الخليج ليلتأم شمل عائلاتهم، إذ مُنحت الفرصة للنساء المتزوجات من رجال يعملون في الخليج للالتحاق بأزواجهن ضمن الخطة. وقد تبين أن لم شمل العائلات كان أحد وسائل الإقناع الأنجح لإقناع الغزيين بالهجرة من أراضيهم، إلا أن هذا النجاح النسبي بذاته كان أحد عوامل إيقاف خطة الهجرة الطوعية؛ لأنه أدى إلى افتضاح أمر الخطة.

إذ توجهت مصر والأردن إلى الأمم المتحدة بشكوى ضد دولة الاحتلال تتهمها بتنفيذ عملية تهجير للفلسطينيين وتجبر اللاجئين على التوقيع على تعهدات بعدم العودة إلى قطاع غزة أو كل الأراضي الفلسطينية. وادّعتا في الشكوى أنه بهذه الطريقة أجبرت دولة الاحتلال 35 ألف فلسطيني على الهجرة (ولكن الرقم المتداول لدى حكومة الاحتلال كان أقل من ذلك بكثير، واعتبرت أن تضخيم الرقم يهدف إلى تلطيخ سمعتها الدولية).

نوقشت الشكوى في الأمم المتحدة ووجدت دولة الاحتلال نفسها أمام ضغط دولي للسماح بهجرة عكسية للفلسطينيين أيضا، أي لم شمل العائلات في قطاع غزة عن طريق السماح للفلسطينيين بالعودة من الأردن وغيرها للاجتماع بعائلاتهم. وقد اضطرت دولة الاحتلال على الموافقة على ذلك حتى تسمح لها دول العالم بالاستمرار بمشروعها (المتستر تحت غطاء لم شمل العائلات). أدى الإذن الإسرائيلي بلم شمل العائلات في قطاع غزة إلى عودة آلاف الفلسطينيين، الذين عوّضوا، في الواقع، من ناحية عددية جزءا من أولئك الذين تركوا القطاع خلال عام 1968.

بعد وقت قصير من النقاش في الأمم المتحدة حول الشكوى المصرية الأردنية قررت دولة الاحتلال إنهاء مشروعها الطموح بتهجير سكان القطاع. إذ بعد مرور سنة على بدء تطبيق الخطة والاستثمارات الضخمة التي ضُخت فيها لم تتحقق أي نتائج عملية، فقد ظل 97% من سكان قطاع غزة في أراضيهم وتعرضت دولة الاحتلال لإدانات وضغوط دولية على أثر تنفيذ خطة الهجرة الطوعية.

في هذه المرحلة شرعت دولة الاحتلال في إنشاء إدارة مدنية لقطاع غزة وبدأت بالإدارة الكاملة لحياة الفلسطينيين. مع أنها لم تكن تنوي أن تتحكم بكل سكان قطاع غزة المكتظ، وقد اضطرت لذلك لأنها لم تفلح في تهجيرهم.

إن تلك الفكرة الواعدة (على الورق) التي تهدف تقليل عدد الفلسطينيين في قطاع غزة، لإنتاج وضع يمكّن دولة الاحتلال من ضم القطاع بأقل عدد ممكن من سكانه، كانت مخالفة للواقع الذي كان بعيدا جدا عن طموحات دولة الاحتلال.

وبعد فشل خطة التهجير، بدأت حقبة سيطرة دولة الاحتلال على قطاع غزة، وهو وضع بقي على حاله حتى اتفاق أوسلو عام 1993. وخلال تلك السنوات التي سبقت اتفاق أوسلو عرضت دولة الاحتلال على مصر أن تتولى إدارة قطاع غزة كجزء من اتفاق السلام بينهما الذي وُقّع عام 1978، ولكن المصريين رفضوا الفكرة رفضا قاطعا.

إن مشروع "الهجرة الطوعية" بعد حرب 1967 انتهى بفشل وظلت دولة الاحتلال فعليا، على خلاف إرادتها، تسيطر سيطرة كاملة على سكان القطاع. في ذلك الوقت كان يعيش في قطاع غزة 450 ألف غزيّ. وفي عام 1993، عشية اتفاق أوسلو، كان فيه أكثر من مليون فلسطيني، أما اليوم فعدد سكانه أكثر من مليوني نسمة.

قال بتسلإيل سموتريتش إن قطاع غزة سيُفرّغ من سكانه وسيظل فيه من 150-100 ألف نسمة. ولتحقيق ذلك فإن على دولة الاحتلال أن تجد طريقة "لإقناع" أكثر من مليوني نسمة بمغادرة القطاع. إن الحديث يدور حول خيال ليس له أي مضمون عملي، ولذلك من الأفضل أن نهتم بأفكار أقل شعبوية ولكن لها إمكانية للتنفيذ.

وأولا وقبل أي شيء، إيجاد جسم عربي، أو فلسطيني أو دولي، يأخذ على عاتقه السيطرة المدنية على القطاع ويمنع عودة حماس للحكم أو إلقاء العبء على دولة الاحتلال كما حدث بعد 1967.

تم طباعة هذا المقال من موقع يبوس للإستشارات والدراسات الاستراتيجية (yabous.info)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)