الانتخابات التشريعية الفلسطينية من المرسوم إلى التأجيل
تاريخ النشر: 02/05/2021 - عدد القراءات: 2504
الانتخابات التشريعية الفلسطينية من المرسوم إلى التأجيل
الانتخابات التشريعية الفلسطينية من المرسوم إلى التأجيل


بقلم: أ. كريم قرط، باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله

 أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما رئاسيا في 15 كانون الثاني 2021 أُعلن فيه عن تحديد موعد الانتخابات التشريعية يوم 22 أيار 2012 والرئاسية 31 تموز 2021 واستكمال انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني  31 آب 2021، على أن تجري بشكل متتابع حسب المرسوم.[1]

مرسوم الرئيس جاء تتويجا لتفاهمات جرت بين الفصائل الفلسطينية في إسطنبول والقاهرة في خضم الإعلان عن خطوات فلسطينية لمواجهة ما عُرف بـ"صفقة القرن" وإعلان إسرائيل نيتها ضم معظم الضفة الغربية، وهو ما اعتبر استمرارا لجهود المصالحة الفلسطينية لإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس، الذي استمر منذ العام 2007.

فتح وخيارات القوائم

برزت في بداية الدعوة للانتخابات فكرة توجه حركتي فتح وحماس بالشراكة مع فصائل وطنية أخرى لتشكيل قائمة مشتركة لما تمليه ظروف المرحلة وخياراتها على كلا الحركتين[2]، ولكن تحت ضغط القاعدة الحركية أعلنت فتح على لسان قادتها العمل على تشكيل قوائم منفصلة.

سرعان ما أعلن د. ناصر القدوة عضو اللجنة المركز لحركة فتح عن تشكيله "الملتقى الوطني الديمقراطي" الذي ستنبثق عنه فيما بعد قائمة منفصلة عن قائمة حركة فتح الرسمية لخوض الانتخابات من خلالها، وهو ما استدعى حركة فتح لفصله من عضوية اللجنة المركزية وعضوية الحركة[3].

وما زاد المشهد تعقيدا، وخصوصا داخل حركة فتح، وقبيل الساعات الأخيرة لتسجيل القائمة الرسمية هو تحالف الأسير مروان البرغوثي، القيادي الفتحاوي الذي يحظى بشعبية كبيرة لدى الشارع الفلسطيني، مع ناصر القدوة وتشكيل قائمة مشتركة باسم قائمة "الحرية"؛ وهي القائمة التي اعتبرت قائمة فتحاوية خارج إطار قائمة الحركة الرسمية[4].

ما أضاف المشهد الفتحاوي تعقيدا أيضا تقدم "التيار الإصلاحي داخل حركة فتح" المحسوب على القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، بقائمة انتخابية تحت اسم "قائمة المستقبل"[5]، لتصبح بذلك هناك ثلاثة قوائم تزاحم على أصوات القاعدة الفتحاوية إضافة إلى عدد من قوائم المستقلين التي شكلتها شخصيات مستقلة ذات امتداد فكري فتحاوي وهو ما يعني مشاركة قاعدة فتح بنسبة من الأصوات.

بعد الإعلان عن قائمة حركة فتح الرسمية حدثت العديد من الاحتجاجات في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية ضد استثناء شخصيات فتحاوية، محسوبة على مناطق معينة، من القائمة ووضع شخصيات أخرى في ترتيب متأخر فيها[6]،  الأمر الذي دفع بعض الشخصيات المحسوبة عليها للترشح للانتخابات ضمن قوائم المستقلين.

في المقابل، وفي ظل كل هذه الإشكاليات والتعقيدات التي عانت منها حركة فتح، ظهرت حركة حماس، المنافس الأقوى متماسكة وتقدمت بقائمة واحدة بمسمى "القدس موعدنا".

وليغلق باب التشريح للقوائم بـ 36 قائمة[7]،  منها 7 قوائم حزبية و29 مستقلة، وربما يعكس هذا الأمر الرغبة الشعببية في تغيير الواقع المعاش، خصوصا وأن معظم القوائم المترشحة هي قوائم مستقلين تلمس أعضاؤها الفرصة لمحاولة التغيير من خلال ممارسة الحق الديمقراطي الذي تأخر عن موعده المفترض قرابة 15 عاما.

خيار التأجيل أمام الأزمات

كانت هناك العديد من التحليلات ترى أن حركة فتح قد تلجأ لتأجيل الانتخابات أمام جملة الأزمات التي ظهرت على السطح عقب الإعلان عن إجراء الانتخابات. ومع الوقت بدأت تصدر تصريحات عن مسؤولين في اللجنة التنفيذية وقيادات مختلفة حول إمكانية تأجيل الانتخابات تحت ذريعة رفض إسرائيل لإجراء الانتخابات في القدس، وأن موعد الانتخابات مرتبط بالتمكن من إجرائها في القدس، دعاية وترشيحا وانتخابا، وهو ما ترفضه سلطات الاحتلال[8].

تعريجا على حالة القدس، فقد تضمنت "اتفاقية المرحلة الانتقالية" المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1995 ملحقا يتعلق بالانتخابات الفلسطينية، تتناول المادة 6 منه ترتيبات الانتخابات في القدس، جاء فيها: "يتمّ الاقتراع في القدس الشرقية في مكاتب بريد تتبع سلطة البريد الإسرائيلية، وعددها خمسة مكاتب (تضم 11 محطة اقتراع) تقدم خدمات تبعاً لطبيعة هذه المكاتب". و"طبيعة هذه المكاتب" – أي حجمها وقدرتها على الاستيعاب – لا تتعدى ما مجموعه 5367 ناخباً يوم الاقتراع. وعليه، فإنّ الحد الأعلى من مواطني القدس الشرقية الذين يمكنهم الاقتراع في مكاتب البريد هو هذا العدد فقط، وعلى باقي المقدسيين في منطقة القدس الشرقية الاقتراع في مراكز اقتراع تقام في منطقة ضواحي القدس[9].

ولكن ما حدث مؤخرا هو أن إسرائيل أعلنت، من خلال منسق أعمال حكومتها بالضفة الغربية، رفضها إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس، مبررا ذلك بأنه لا توجد حاليا حكومة منتخبة في إسرائيل يمكنها اتخاذ قرار من هذا القبيل[10].

التأجيل والدوافع

في ضوء هذه التطورات دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لاجتماع في مقر المقاطعة عقد الخميس 29 نيسان ليعلن عن قراره بتأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى حين موافقة إسرائيل على إجرائها في القدس[11]، ودون تحديد مواعيد لهذا التأجيل.

أسباب أخرى غير مسألة إجراء الانتخابات في القدس تقف خلف التوجه لتأجيل الانتخبات حسب ما يرى معارضو هذه الخطوة. ويمكن القول إن هناك جملة من الأسباب المتداخلة تجعل السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة فتح تتوجه لتأجيل الانتخابات:

1.    مشاكل وأزمات حركة فتح الداخلية.  واجهت حركة منذ بداية تشكيلها لقائمتها الانتخابية العديد من المشاكل في إعداد قائمتها أدت إلى حدوث صراعات على ترتيب الأسماء وانتساب شخصيات محسوبة على حركة فتح إلى قوائم المستقلين. بالإضافة إلى انشقاق قائمة الحرية (ناصر القدوة- مروان البرغوثي) عن قائمة حركة فتح الرسمية. وتقدم القيادي المفصول محمد دحلان بقائمة لخوض الانتخابات التشريعية، وأمام هذه الإشكاليات والانقسامات تمكنت حركة حماس المنافس الأهم لحركة فتح من تقديم قائمة موحدة بعد فشل خيار النزول إلى الانتخابات بقائمة مشتركة بين حركتي فتح وحماس[12].

2.    المعارضة الإسرائيلية والإقليمية لإجراء الانتخابات، فقد أقرّ أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب بوجود ضغوط إسرائيلية وحتى إقليمية وعربية لإلغاء الانتخابات، وفي ذات السياق ذكرت صحف إسرائيلية أن إسرائيل وبعض الدول الإقليمية تخشى من فوز حركة حماس في الانتخابات في ظل الانقسامات التي تعاني منها حركة فتح[13].

مواقف القوائم

أعلنت معظم القوائم الانتخابية عن معارضتها لقرار التأجيل، واعتبرت أن عدم إجراء الانتخابات بسبب القدس ليس إلا ذريعة، واقترحت حلولا لمشاركة الانتخابات في القدس على أثر ذلك.

فقد بعثت 14 قائمة برسالة إلى رئيس السلطة أكدت فيها على ضروة إجراء الانتخابات في موعدها،  كونها حقاً أساسياً طال انتظاره وواجب التطبيق لأسباب سياسية ووطنية، والتزاماً بالرغبة الشعبية، والمطلوب واجب السعي لإجراء الانتخابات رغماً عن الاحتلال من خلال تبنى بدائل تحول هذه المسألة إلى معركة مع الاحتلال تثبيتاً للحق الفلسطيني في القدس، ووقعت الرسالة باسم: قائمة الحرية، قائمة الوفاء والبناء، قائمة طفح الكيل، قائمة عائدون، قائمة وطن، قائمة المستقبل، قائمة المستقبل الفلسطيني، قائمة صوت الناس، قائمة تجمع المستقلين، قائمة العدالة والبناء، قائمة مرابطون، قائمة كفاءة، قائمة كرامتي الشبابية، قائمة نبض البلد[14].

فيما عبرت قائمة القدس موعدنا عن رفضها قرار التأجيل الانتخابات أو إلغائها، وقال الناطق باسمها محمد صبحة في تصريح صحفي :"عندما وصلنا نقطة متقدمة من الانتخابات، وشارفنا على أبواب الدعاية الانتخابية؛ خرجت تسريبات مختلفة حول إمكانية تأجيل الانتخابات المنوي عقدها في 22 مايو المقبل". مؤكدا: "نعلم أن هناك شبه قرار داخلي يريدون تسويقه، ولكن بالنسبة لنا نحن ضد التأجيل بشكل قاطع ومانع".

وفي ذات السياق نفى صحة ما يشاع حول وجود توافقات بين حركتي حماس وفتح حول التأجيل، وكذلك وجود صفقة بينهما، وأكد أن قائمته لن تدخل في أي صفقة مع أي طرف لتأجيل الانتخابات.[15]

أما قائمة المستقبل، فجاء ردها على لسان القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان خلال لقاء تلفزيوني، بالقول: "حجة أن إسرائيل لا تريد لنا أن نجري الانتخابات هروب من المعركة... أنا أريد أن أرى الجيش الإسرائيلي يصادر الصناديق الانتخابية في مدينة القدس، أنظر كم سنجني ثمارا من ذلك أمام المجتمع الدولي... بإمكاننا أن نصوت في قنصليات الاتحاد الأوروبي، بإمكاننا أن نصوت في مقار الأمم المتحدة مثلا، بإمكننا أن نصوت في مراكز البريد. [16]"

بدوره، قال الناطق باسم قائمة نبض الشعب التابعة للجبهة الشعبية أن تأجيل الانتخابات التشريعية أمر خطير ويؤشر لرغبة بعض الأطراف تأجيل الاستحقاق الديمقراطي أو الالتفاف عليه بشتى السُبل، لأسباب داخلية محضة عند هذه الأطراف... موضوع تنظيم الانتخابات في القدس ترشيحاً ودعايةً وإقتراعاً موضوع سياسي وسيادي وقانوني ولا يمكن التفريط فيه بل يجب اعتباره مدخلاً للاشتباك الجماهيري والسياسي والقانوني مع الاحتلال لإرغامه على عدم وضع العراقيل أمام تنظيم العملية الديمقراطية.

وطالب الأحزاب والقوى الفلسطينية والقوائم المرشحة لانتخابات المجلس التشريعي بتشكيل لجنة قيادية مصغرة تضم ممثلين عن اللجنة التنفيذية والقوائم المرشحة والخارجية الفلسطينية والجهات الحقوقية لإطلاق أوسع حملة ضغط قانوني ودبلوماسي على دولة الاحتلال من أجل عدم عرقلة العملية الديمقراطية بالإضافة لوضع الخطط البديلة لتنظيمها في القدس حال استمر رفض الاحتلال لإجرائها هناك[17].

وعقب الإعلان الرسمي عن تأجيل الانتخابات خرجت مظاهرات في رام الله وقطاع غزة، دعت لها القوائم المشاركة في الانتخابات، معارضة للتأجيل، داعية الرئيس محمود عباس إلى إجراء الانتخابات في موعدها.

ولم تقتصر ردود الفعل المعارضة لتأجيل الانتخابات على الفصائل والقوائم الفلسطينية، بل كانت هناك ردود فعل أوروبية معارضة لهذه الخطوة، حيث أعربت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا عن خيبة أملها إزاء قرار الرئيس عباس تأجيل الانتخابات البرلمانية، وحثته على تحديد موعد جديد على وجه السرعة. ودعت الدول الأربع -في بيان مشترك- السلطة الفلسطينية إلى تحديد موعد جديد للانتخابات في أقرب وقت ممكن. ودعت إسرائيل إلى تسهيل إجراء الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية وفقا للاتفاقيات السابقة". وهو ما أكد عليه مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل[18].

في المحصلة، فإن الانتخابات الفلسطينية كانت محاولة للخروج من حالة الانقسام التي عانى منها الشعب الفلسطيني طوال الـ15 عاما، إلا أنها أظهرت أن الانقسامات ازدادت حدتها في الشارع الفلسطيني. وليس من المرجح أن تكون خطوة تأجيل الانتخابات هي الحل لهذه الانقسامات، وإنما الهروب من المواجهة مع الواقع الذي ربما قد يزداد سوءا.



[1] وفا: الرئيس يصدر مرسوما رئاسيا بتحيد موعد إجراء الانتخابات العامة على ثلاث مراحل، https://wafa.ps/Pages/Details/16252

 

[2]  الميادين: هل ستشكل "فتح" و"حماس" قائمة مشتركة؟ https://cutt.us/oQYuY

[3] الجزيرة: حركة فتح تفصل القيادي ناصر القدوة لسعيه طرح قائمة منفصلة في الانتخابات الفلسطينية، https://cutt.us/MCz3h

[4] شبكة القدس: قيادي فتحاوي يكشف لـ "قدس" أسباب تحالف مروان البرغوثي مع القدوة، https://cutt.us/5qcM7

[5]  نداء الوطن: قائمة التيار الاصلاحي"المستقبل" تعلن تسجيل قائمتها للانتخابات التشريعية، https://cutt.us/6tt5r

[6]  العربي الجديد: إطلاق نار واحتجاجات بالضفة الغربية على قائمة "فتح" للانتخابات، https://cutt.us/W4mBy

[7] لجنة الانتخابات المركزية، https://www.elections.ps/tabid/1163/language/ar-PS/Default.aspx

[8]  الغد: القيادة الفلسطينية تدرس تأجيل الانتخابات، https://cutt.us/FZ0VT

[9] لجنة الانتخابات المركزية، https://www.elections.ps/tabid/711/language/ar-PS/Default.aspx

[10]  العربي الجديد: مصادر لـ"العربي الجديد": الاحتلال يبلغ السلطة الفلسطينية شفوياً برفض إجراء الانتخابات في القدس، https://cutt.us/4tGxd

[11] الخليج: تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى حين ضمان إجرائها في القدس، https://cutt.us/hgGrm

[12] شبكة قدس: تأجيل الانتخابات... قراءة في الأسباب والمآلات، https://cutt.us/aRAJa

[13]  عربي بوست: "سيناريو التأجيل مطروح على الطاولة".. لماذا قد لا تجري الانتخابات الفلسطينية في موعدها؟ https://cutt.us/of8qQ

[14] العربي الجديد: 14 قائمة انتخابية ترفض تأجيل الانتخابات الفلسطينية في رسالة لعباس، https://cutt.us/TYT9U

[15] فلسطين أون لاين: "قائمة القدس موعدنا": لا توافقات بين حماس وفتح حول تأجيل الانتخابات، https://cutt.us/t4e4Z

[16]  من لقاء متلفز مع محمد دحلان على قناة الغد، https://www.facebook.com/alghadtv/videos/2865448510438072

[17] دنيا الوطن: "قائمة نبض الشعب": تأجيل الانتخابات التشريعية أمر خطير، https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2021/04/21/1409831.html

[18]  الجزيرة: خيبة أمل أوروبية لقرار عباس.. هنية: تأجيل الانتخابات مصادرة لحق الشعب الفلسطيني، https://cutt.us/dnOUL

تم طباعة هذا المقال من موقع يبوس للإستشارات والدراسات الاستراتيجية (yabous.info)

© جميع الحقوق محفوظة

(طباعة)