بقلم: د.عماد عمر أبو الرب – الجامعة العربية الأمريكية
منذ التوقيع الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي وما ترتب على هذا الاتفاق من التزامات قانونية وسياسية واقتصادية وأمنية ملزمة للجانب الفلسطيني، وبالتالي كانت هذه الالتزامات مرهقة للفلسطينيين وامتيازات للاحتلال الإسرائيلي، والتي جعلت منه استعمار أخلاقي وبلا تكلفة، حيث كان هدف الاحتلال الجوهري من جميع الاتفاقيات التي وقعها مع الأطراف العربية والتي من بينها الفلسطينيين ضمان أمنه وتفوقه، دون أي اعتبار للقضايا الجوهرية والمصيرية التي يجب أن تحل وهو إنهاء الاحتلال والاعتراف بالحقوق المشروعة.
وبالتالي فإن هذه الاتفاقيات لم تحسم القضايا المصيرية مما جعل الوضع الفلسطيني يزداد تأزما، مما تترتب عليه الكثير من الانعكاسات السلبية التي قزمة القضية الفلسطينية وحقوقه المشروعة، وعلى الرغم من حجم التضحيات التي قدمت إلا أنها لم تستثمر بمشروع وطني، حيث لم يتجاوز سقف الانجاز حلول آنية ومرحلية ترجمت بشكل مساعدات إنسانية.
والمراقب للوضع الفلسطيني يلحظ أن الحالة الفلسطينية تزداد تعقيدا وشرذمة أمام انسداد الأفق وتراجع قدرة تأثير اللاعبين المؤثرين وخاصة رمزية العمق العربي الذي ترجمبتسارع الكثير منالدول العربية لتوقيع اتفاقياتسلام مع الاحتلال الإسرائيلي مماجعل الفراغ العربيبيئة خصبة لتقبل الاحتلال الإسرائيلي ليس سياسيا فحسب بل وجدانيا وثقافيا.
وأزمة الحالة الفلسطينية ترتبط بمجموعة من العوامل، والتي من أهمها:
1- أزمة وتعقيدات النظام السياسي الفلسطيني، والمتمثلة بوجود أكثر من سلطة، الأولى وهي السلطة الوطنية الفلسطينية ذات التأثير والاختصاص والمتمثلة بالأجهزة البيروقراطية الحكومية والتي أصبحت هي من تمثل الشعب الفلسطيني سياسيا وقانونيا ومرجعية التفاوض، وسلطة منظمة التحرير الفلسطينية ذات الدلالة الرمزية لكن من الناحية العملية والفعلية ليست فاعلة وهذا مرتبط بحالة التماهي ما بين منظمة التحرير الفلسطينية. وما بين السلطتين تظهر سلطة ثالثة والمتمثلة بوجود حركات سياسية غير منضوية تحت سلطة منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية. فهذه الحالة التمثيلية المركبة والمعقدة نجم عنها تعدد البرامج السياسية وحتى النضالية مما يعيق استثمارها فيبرنامج فلسطيني وطني تحرري.
وتعدد المرجعيات التمثيلية الفلسطينية جعل الساحة الفلسطينية مكشوفة وسهلة الاختراق من قبل أطراف دولية وإقليمية وعربية وحتىإسرائيلية، لارتباط هذه الجهات التمثيلية بأجندة خاصة وسعيها للحصول على الدعم المالي والسياسي. وما يزيد من خطورة تعدد المرجعيات أنها تجاوزت حد ظاهرة الانقسام السياسي إلى الانقسام حول الهوية الوطنية الفلسطينية. فهل الخطاب السياسي من قبل الحركات الإسلامية والوطنية غير المنضوية تحت تفقتمثل الموقف الفلسطيني.
وما زاد من تعقيد طبيعة النظام السياسي الفلسطيني حالة الانقسام السياسي وتعطيل المؤسسة التشريعية وتحول النظام السياسي إلى نظام شمولي، مما ترتب عنه تعطيل الحياة السياسية والحد من ظاهرة التعددية والمتمثلة بعدم إقرار قانون تشكيل الأحزاب.
2- تحديد طبيعة العلاقة مع الاحتلال: وهذا العامل يعتبر من أهم العوامل التي تقف وراء الأزمة مع الاحتلال، وهذا ما يعكس نفسه بطبيعة العلاقة معالاحتلال. هل علاقة دولة بلا دولة (السلطة الوطنية الفلسطينية) مع دولة كاملة السيادة وصاحبة السيطرة الفعلية (إسرائيل) ، أم علاقة حركة وطنية (منظمة التحرير والحركات المقاومة) مع دولة محتلة تمارس الاحتلال بشكل مباشر تجاه شعب محتل .فالمشهد الفلسطيني من الناحية التعاقدية مع دولة الاحتلال معقدة فهناك جهات مقيدة باتفاقيات مع دولة الاحتلال وبالتالي تتعامل مع دولة الاحتلال بمنطق القانون الناظم للعلاقات بين الدول ذات السيادة، وهناك أطراف فاعلة في المشهد السياسي الفلسطيني لكن خارج الاتفاقيات الفلسطينية الاسرائيلية تتعامل مع الاحتلال الاسرائيلي من خلال أطراف دولية وإقليمية خاصة في قطاع غزة.
وتحديد العلاقة مع الاحتلال يؤثر بشكل مباشر على أزمة المجتمع الفلسطيني خاصة من الناحية المالية والمعيشية والأمنية، حيث يجعل الوضع الفلسطيني يخضع للابتزاز الإسرائيلي مما يجعل المواطن الفلسطيني يفقدثقته بالسلطة الوطنية وزيادة حجم الفجوة بين المواطنين والسلطة وفي كثير من الأحيان مع الحركات والتنظيمات الوطنية والإسلامية.
3- عجز الموقف الفلسطيني باختراق الموقف العربي الرسمي وتشكيل موقف عربي داعم للقضية الفلسطينية بحده الأدنى، وهذا ما يؤكده قدرة الاحتلال الإسرائيلي من الوصول إلى أكثر من دولة عربية بصورة مباشرة أو غير مباشرة وتشكيل رأي عربي مؤيد للاحتلال الاسرائيلي. والتراجع العربي للقضية الفلسطينية ليس سياسيا أو ماليا بل حتى عاطفيا ووجدانيا. وهذا التراجع بالموقف العربي يرتبط بعجز الدبلوماسية الفلسطينية وفشلها.
الانقسام السياسي الفلسطيني:
الانقسام السياسي الفلسطيني مرتبط بتعقيدات بنيوية النظام السياسي الفلسطيني ،حيث هناك فرق بين الانقسام السياسي بمفهوم التعددية الحزبية والفكرية والمعارضة ومفهوم الانقسام التمثيلي للهوية والمشروع الوطنيحيث إن كل طرف يدعي بأحقية التمثيل ، مما جعل الحالة الفلسطينية ترتبط بأدوات خارجية ضاغطة أضعفت الموقف الفلسطيني، وهذا الضغط قد عبر عن نفسه بأكثر من موقف وترجم أخيرا بالاتفاقية الإماراتية - الإسرائيلية، هذه الاتفاقية التي منحت الاحتلال الإسرائيلي مزيدا من القوة التي ليس بحاجة إليها في حين أضعفت الموقف الفلسطيني والعربي المنهك أصلا. وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال تحليل طبيعة الردود على هذا الموقف سواء على الصعيد الشعبي أو الرسمي. فعلى الصعيد الفلسطيني كان تقليديا وعاطفيا ما بين خطاب تستند مفرداته إلى لغة رومانسية والأدبيات السياسية والمعايير الأخلاقية، ومهرجانات ومسيرات لا يتجاوز تأثيرها مساحة فضائها.
لكن كان أيضا يلحظ ظهور بعض الدعوات والأفكار من خارج المؤسسة الرسمية الفلسطينية للخروج من الأزمة الفلسطينية والتي كان من بينها دعوة السيد خالد مشعل ودكتور سلام فياض وتتمحور هذه الرؤى حول إنهاء الانقسام وتفعيل منظمة التحرير الفلسطيني لتكون البيت الفلسطيني الناظم للعمل الوطني الفلسطيني، لكن السؤال المشروع كيف يمكن تحويل هذه الرؤى والأفكار إلى واقع وحقيقة وتخرج من سياقها التنظيري؟
اولا- عقد مؤتمر وطني فكري جامع للكل الفلسطيني للخروج بأرضية فكرية تحدد ماذا نريد كفلسطينيين.
ثانيا- تحديد المرجعية السياسية الفلسطينية التي لها الحق بتمثيل النضال الفلسطيني مهما كان طبيعته
ثالثا- الحد من هيمنة السلطة الوطنية الفلسطينية على المجتمع الفلسطيني ومؤسسات المجتمع المدني
رابعا- بلورة موقفة وطني فلسطينيا بحيث يكون ملزم لإنهاء الانقسام.
خامسا- تحديد مرجعية سياسية واحدة وموحدة تمثل النضال الفلسطيني في المرحلة الحالية لحين الانتهاء من إعادة تريب منظمة التحرير الفلسطيني.
سادسا- تحديد طبيعة العلاقة مع الاحتلال، حيث لا يعقل أن تظل موجهة من خلال المواقف
الإسرائيلية ولحظية وردات فعل.
سابعا- السماح بتشكيل الأحزاب السياسية لتشكيل قوى فكرية وسياسية واجتماعية.
* ملاحظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي مؤسسة "يبوس"
خطة الشاطئ الأزرق: الرصيف العائم الأمريكي في خدمة أهداف الحرب الإسرائيلية
موقع الضفة الغربية في العدوان الصهيوني على قطاع غزة
في ذكرى نفق جلبوع.. ووهم الوعي المنصهر
المرأة الفلسطينية: تعادل في النسب وتهميش في الدور السياسي
الانتخابات المحلية الفلسطينية: السياقات والدلالات
إسرائيل ورهان الهوية والمواجهة.. ما الذي تغير؟
الانتخابات التشريعية الفلسطينية من المرسوم إلى التأجيل
ما بين الصحة و الإقتصاد
قانون القومية في إسرائيل...والانزياح نحو النهاية